اليمن ‬و«الحوثي»: ‬استراتيجية ‬جديدة ‬وبداية ‬النهاية

بقلم : عبد الله بن بجاد العتيبي :
كسر ‬القواعد ‬القائمة ‬منذ ‬سنواتٍ ‬طويلةٍ ‬يكاد ‬أن ‬يكون ‬الشعار ‬الأبرز ‬لكل ‬أزمات ‬المنطقة ‬في ‬الوقت ‬الحالي، ‬فالتدخلات ‬الإيرانية ‬الميليشياوية ‬والتجسسية ‬والإرهابية ‬أصبحت ‬تحت ‬المجهر ‬الدولي ‬وليس ‬الإقليمي ‬فحسب، ‬وبالتالي ‬فاستهداف ‬الأصل ‬يسهل ‬من ‬مهمة ‬استهداف ‬الفروع، ‬وهذا ‬كله ‬يتم ‬بالتزامن ‬لا ‬بالانتظار. الولايات ‬المتحدة ‬الأميركية ‬تقود ‬جهوداً ‬دولية ‬لمواجهة ‬المشروع ‬الإيراني، ‬وهي ‬تزداد ‬وعياً ‬بخطورة ‬المشروع ‬الأصولي ‬الذي ‬تقوده ‬تركيا ‬وقطر، ‬وتصدر ‬التصريحات ‬والبيانات ‬التي ‬تصب ‬في ‬هذا ‬الاتجاه، ‬والمواقف ‬من ‬أتباع ‬إيران ‬في ‬دول ‬المنطقة ‬يتم ‬العمل ‬عليه ‬في ‬كل ‬لحظةٍ ‬وباتجاهاتٍ ‬تختلف ‬من ‬مكانٍ ‬إلى ‬آخر، ‬بعضها ‬يتم ‬من ‬خلال ‬الدولة ‬نفسها ‬ومحاولة ‬استعادة ‬سيادتها ‬المنتهكة، ‬كما ‬يتم ‬في ‬العراق ‬وفي ‬لبنان ‬مع ‬تفاوتٍ ‬بين ‬تجربة ‬الدولتين ‬وجديتهما ‬في ‬استعادة ‬السيادة، ‬وبعضها ‬يتم ‬بالقوة ‬السياسية ‬والعسكرية ‬كما ‬في ‬اليمن ‬وفي ‬بعض ‬المناطق ‬في ‬سوريا، ‬أما ‬يد ‬إيران ‬وأذرعها ‬في ‬دول ‬الخليج ‬فقد ‬تم ‬بترها، ‬وكذلك ‬يد ‬«الإخوان» ‬والمشروع ‬الأصولي ‬القطري ‬التركي.

في ‬اليمن ‬أطلق ‬«الحوثي» ‬النار ‬على ‬قدمه ‬حين ‬عادى ‬كل ‬التيارات ‬والأحزاب ‬والقبائل ‬بأفعالٍ ‬شنيعةٍ ‬خارجةٍ ‬عن ‬إطار ‬الأعراف ‬اليمنية ‬السائدة، ‬وبدأ ‬في ‬تطبيق ‬النموذج ‬الإيراني ‬بحذافيره، ‬حيث ‬لا ‬عقل ‬ولا ‬دين ‬ولا ‬مبادئ، ‬بل ‬هو ‬القتل ‬والاغتيال ‬والتعذيب ‬والتدمير ‬واستهداف ‬المدنيين ‬والنساء ‬وتجنيد ‬الأطفال ‬وتدمير ‬كل ‬شيء ‬تقريباً ‬بكل ‬عنجهيةٍ ‬ولا ‬وطنيةٍ ‬غير ‬مسبوقةٍ ‬في ‬تاريخ ‬اليمن ‬الحديث. فهو ‬بناء ‬على ‬النموذج ‬الإيراني ‬لا ‬يعبأ ‬بالمحرمات ‬الدينية ‬ولا ‬يعترف ‬بمقدسات ‬المسلمين ‬ولا ‬بالمحرمات ‬الدولية ‬ومنها ‬الصواريخ ‬الباليستية ‬التي ‬تستهدف ‬المدنيين، ‬ومن ‬ذلك ‬الصاروخ ‬الذي ‬أطلقته ‬لاستهداف ‬المسجد ‬الحرام ‬والكعبة، ‬وكذلك ‬الصاروخ ‬الذي ‬استهدف ‬مطار ‬الملك ‬خالد ‬في ‬الرياض، ‬وهو ‬ما ‬أثبتته ‬تحقيقات ‬دولية ‬أعلنتها ‬أميركا ‬رسمياً.

تدور ‬المعارك ‬في ‬اليمن ‬على ‬أكثر ‬من ‬جبهةٍ ‬أهمها ‬جبهتان: ‬الجبهة ‬الشرقية ‬حيث ‬تحرير ‬مديريتي ‬بيحان ‬وعسيلان ‬باتجاه ‬البيضاء، ‬والجبهة ‬الغربية ‬على ‬الساحل ‬الغربي ‬باتجاه ‬الُحديّدة ‬ومن ‬ثم ‬صعدة، ‬وهو ‬ما ‬يعني ‬إطباق ‬الكماشة ‬على ‬«الحوثيين» ‬شيئاً ‬فشيئاً، ‬ما ‬يعني ‬بداية ‬النهاية ‬الحقيقية ‬لميليشيا «الحوثي». السفارات ‬تخرج ‬من ‬صنعاء ‬وتتجه ‬للرياض، ‬ومن ‬آخرها ‬السفارة ‬الروسية، ‬حيث ‬الشرعية ‬اليمنية ‬ومركز ‬التحالف ‬العربي ‬الداعم ‬للشرعية ‬اليمنية، ‬ومؤسسات ‬الإغاثة ‬تهرب ‬موظفيها ‬من ‬صنعاء، ‬ما ‬يمنح ‬مؤشراً ‬واضحاً ‬على ‬عدم ‬استعداد ‬أي ‬دولةٍ ‬أو ‬منظمة ‬دوليةٍ ‬أو ‬مؤسسةٍ ‬خيرية ‬على ‬العمل ‬داخل ‬صنعاء ‬بعد ‬سيطرة ‬النموذج ‬الإيراني ‬بلا ‬شريكٍ ‬ولا ‬غطاء ‬محليٍ ‬بعد ‬اغتيال ‬صالح، ‬وتتبع ‬قيادات ‬المؤتمر ‬بالاغتيال ‬والسجون ‬السرية ‬والتعذيب. حزب ‬«الإصلاح» ‬اليمني ‬الذي ‬ينتمي ‬لجماعة ‬«الإخوان»، ‬كحالةٍ ‬يمنيةٍ ‬خاصةٍ، ‬مثل ‬بقية ‬فروع ‬الجماعة ‬في ‬شتى ‬البلدان، ‬أمام ‬تحدٍ ‬حقيقيٍ ‬لإثبات ‬ولائه ‬الوطني، ‬في ‬لحظةٍ ‬حاسمةٍ ‬من ‬تاريخ ‬اليمن ‬الحديث، ‬وقد ‬التقى ‬رئيس ‬الحزب ‬وأمينه ‬العام، ‬بالأمير ‬محمد ‬بن ‬سلمان ‬والشيخ ‬محمد ‬بن ‬زايد ‬في ‬الرياض، ‬وقد ‬أعلن ‬الحزب ‬فك ‬ارتباطه ‬بالجماعة ‬الأم ‬المصنفة ‬إرهابيةً ‬في ‬الرياض ‬وأبوظبي ‬وغيرهما، ‬ويبقى ‬عليه ‬أن ‬يثبت ‬فك ‬ارتباطه ‬بالدولتين ‬الأصوليتين ‬في ‬المنطقة، ‬وأن ‬يخلص ‬في ‬توجهاته ‬لخدمة ‬استعادة ‬الدولة ‬اليمنية ‬واستقرارها ‬وأمنها.

بعد ‬التلاعب ‬على ‬رؤوس ‬الثعابين ‬الذي ‬كان ‬الحزب ‬يشارك ‬فيه ‬في ‬مشهد ‬يمني ‬متقلبٍ ‬خلال ‬السنوات ‬الطوال ‬الماضية، ‬وبعد ‬لعبة ‬التحالف ‬والمعاداة ‬مع ‬الرئيس ‬السابق ‬صالح، ‬والمناورة ‬مع ‬حركة ‬«الحوثي»، ‬وبعد ‬الحياد ‬الذي ‬اتخذه ‬الحزب ‬بعد ‬عاصفة ‬«الحزم»، ‬وانحيازه ‬للانتظار ‬والمراقبة ‬طوال ‬الفترة ‬الماضية، ‬وبعد ‬استقبال ‬قائدي ‬التحالف ‬لقياداته، ‬فأمام ‬الحزب ‬وعناصره ‬لحظة ‬حاسمةٌ ‬وقرار ‬تاريخي، ‬إما ‬الانحياز ‬لمستقبل ‬اليمن ‬وإما ‬الانحصار ‬في ‬مصالح ‬ضيقةٍ. أخيراً، ‬فالاستراتيجية ‬الجديدة ‬في ‬اليمن ‬بالغة ‬التأثير، ‬سياسياً ‬وعسكرياً، ‬وستكون ‬لها ‬الكلمة ‬الأخيرة.

*نقلا عن صحيفة “الاتحاد”.