(شبكة الطيف) كتب: محمد العزعزي
لا جديد في هذا العيد سوى الغلاء والقلق الذي قض مضاجع الناس البسطاء جراء ارتفاع الأسعار في كل شيء كادت الابتسامات الحالمة أن تتوارى من وجوه وعيون أبناء بلادي الحالمين بالتغيير وحتمية انتصار الثورة الفبرائرية المباركة ورغم هذا الألم لم ينس الأهالي فرحة وبهجة العيد بأيام طالعة كأشجار النخيل وبراعم الورود ..وحاولوا أن يعيشوا مكرهين أجواء هذه المناسبة أسوة بأمثالهم في كل بلاد الدنيا فتراهم يبتسمون ويبتهجون ويزدحمون لشراء الحاجيات رغم هذا الأسى والوجع المستديم الطافح بمرارة وسوء الواقع المعاش..وبهذه المناسبة لا ننس أن نقول للثوار والقراء شكرا لكم فأنتم عنقود العيد وابتسامته الرقراقة المشعة عبر الأجواء القادمة من السماء السابعة هديه الرحمن لكل البؤساء في هذه الأرض وكل عام وأنتم بألف خير.
أفراح العيد:
عند المرور قرب المنازل تسمع شدو الفنان علي بن علي الآسي يشدو بأغنيته الشهيرة عبر مسجلات الكاست آنستنا ياعيد ..افرح بهذا العيد ..واسرح مع الأيام ..وابرد من الأوهام .مش وقت يا خي عيد ..ونظرا لارتباط هذه الأغنية ببهجة العيد ولقاء الأحبة وارتباطها بالذاكرة الشعبية بروعة العيد والتقاء الأسر بعد غياب أوجفاء واستطاع الناس كسر حواجز الغلاء ووحشيته ومضى كل إلى غايته لممارسة طقوس العيد بفرحة وابتسامة ويبادل القبلات بأجواء فرائحية معسولة بهذا اليوم السعيد المطرز بنجوم التحايا والتسليم بأعذب السيمفونيات وهدايا أطباق الحلوى والكعك المحلى بالتمور وأنواع الشيكولاتة وفاء وقربانا للمودة والفرحة التي لم تكتمل بعد .. فعيد سعيد وعقبى عيد الأضحى المبارك متمنين أن يأتيهم وقد تحققت أهداف الثورة ورست قواعد العدل والحرية بقيام الدولة المدنية الحديثة وقد تحسنت الأحوال والأوضاع وقد تغيرت نحو الأفضل لتكتمل الأفراح ويسود الخير والأمن والاستقرار بعد السنوات العجاف على هذا الشعب الأبي الصابر.
ملابس الأطفال زاهية:
العيد هذا العام بالحجرية أتى مع نعمة الأمطار والأرض وقد اكتست بحلة خضراء بهية تسر الناضرين فزادت روعة وجمالا وأضفت السرور على نفوس الزوار القادمين من المدن إلى القرى احتفاء بهذه المناسبة السعيدة والدينية الكريمة.غلى جانب عودة المسئولين والموظفين والعمال في المدن لممارسة الطقوس العيدية بعد انقطاع استمر طويلا وارتدى الأطفال ثياب الفرح بألوانها الزاهية المزركشة بالجمال وبراءة الطفولة أما الرجال فتراوحت الملابس بين الفوطة والمقطب والثوب الأبيض وبدلات السفاري ولبس العديد البنطلون واالقميص والكوت وربطة العنق وللناس فيما يلبسون مذاهب بأذواق مختلفة وألوان شتى في مشهد غير عادي بالنظافة وتصاعد الروائح العطرية الفواحة من المنازل برائحة البخور العدني والعود التي تظهر في هذه المناسبات السعيدة وتمنى البعض أن تستمر النظافة طول العام وصفاء النفوس والمودة وتبادل الابتسامات والقبلات السنة بكاملها.
فيض الخاطر:
ارتبطت الحجرية التاريخية بالمحروسة بندر عدن منذ القدم باعتبارها البوابة التجارية والثقافية والسياسية لهذه المنطقة الريفية التي اعتمدت على التجارة القادمة من ميناء عدن العالمية المتفردة بكل جميل ومنها تأتي العطور والبخور والمنظفات والصابون بعكس مدن اليمن الشمالية التي كانت محرومة من ابسط وسائل التمدن والتحضر وتراها أشياء كمالية ويعتمد ناسها على( النصع) والقوارح يوم العيد في القرى النائية لاعتقادهم أنها من مكملات الرجولة في هذا اليوم الاستثنائي واشتهرت الحجرية بريفها النظيف وناسها المهاجرين منذ القدم وارتفاع مستوى دخل الفرد فعرفوا العطور والملابس الراقية والمأكولات المتنوعة والنظارات والساعات اليدوية والأحذية الجلدية المستوردة من عدن الحضارة والمنارة فتأثروا بمدنيتها بعد حياة الريف القاسية وشظف العيش والتعب فتحية لآم الدنيا عدن وناسها الطيبين على مدى العصور.
طقوس العيد:
تبدأ مراسم العيد باستقباله في آخر ليلة من رمضان تدعى الليلة اليتيمة فيخرج الناس من المساجد لشراء الحاجيات لأسرهم وما نقص منها وقبل الشروق يذهب الناس مع أطفالهم إلى مصلى العيد المعروفة باسم الجبانة لأداء شعائر العيد وسماع الخطبة التي تتركز عادة على النصائح والتذكير بأهمية هذا اليوم ونبذ الشحناء والبغضاء بين الناس والدعوة للتصالح والتسامح وتبادل الزيارات وإخراج زكاة الصوم قبل شروق الشمس وتفقد الأيتام والفقراء والمساكين وبعد الخروج من المصلى تبدا تبادل التهاني والتصافح ويهنئون بعضهم بعضا بالقول من العائدين والسالمين وأعادك الله من الغانمين وكل عام وأنتم بخير مع الأمنيات بالزواج للعزوبين والغنى للفقراء والحج لكبار السن ثم يقوم الناس بتغيير الطريق وفقا للسنة النبوية ويقومون بالزيارات للأهل والأصحاب في المنازل وتناول الطعام الخفيف والحلويات وتقوم النساء بتوزيع العيدية وهي نقود للأطفال وتوزيع الحلويات المعدة منزليا او المستوردة والمصنعة آليا ويقوم الرجال والشباب بالزيارات بين القرى بمصاحبة (المرافع ) وعلى دقات الطبول يقوم البعض بالرقص الشعبي المسمى الزبيري والبريشية والبرع وبهذه المناسبة السعيدة ينسى الناس الأحقاد والضغائن ويؤلف العيد بينهم ويصافحون ويهنئ بعضهم بعضا بمناسبة قد لا تعود العام القادم ويتم تجديد العلاقات الإنسانية بسلوك حضاري نادر.
لحوم وقات وأفراح:
ٍتستمر الاحتفالات في يوم العيد فتذبح الذبائح لكن هذا العام اقتصر الناس على شراء الدجاج الحي والمثلج واللحوم وبلغ سعر الكيلو 10000ريال وفي هذه المناسبة يرتفع سعر القات لكثرة المسافرين القادمين من المدن إلى الريف وتسمع احدهم يقول أربط( مافيش) خوف كما ترتفع أسعار الخضار والفواكه فلا يساوم الناس ويعتبرون الشراء يوم العيد صدقة وتغلق المحال التجارية في مدينة التربة والمدن الفرعية الصغير الأخرى على طريق تعز التربة وتبقى محال بيع الحلويات مفتوحة وتعرف بأسماء مختلفة مثل الوهطي والمحبب والصابوني والهريسة واللبني والتوفي فيشتري منها من يريد الخطوبة كونها هدية أساسية لأسرة المخطوبة ويتم توزيعها مجانا لإشهار الخطوبة .
ويفضل الشباب بهذه المناسبة السعيدة توديع حياة العزوبية والدخول في القفص الذهبي بعد حياة العزوبية لتكتمل الفرحة بالعيد والخطوبة والزواج ولا تكاد تخلو قرية من الولائم التي يصاحبها دقات الطبول وزغاريد النساء وتتحول الحياة إلى فرحتين :فرحة العيد وفرحة العرس فتكتمل السعادة بالهناء.
منغصات العيد:
تزامن قدوم عيد الفطر المبارك هذا العام باستمرار الحرب العبثية التي اكلت الاخضر واليابس وتشكيل مجلس القيادة من سبعة وثامنهم العليمي وكذلك مناسبة عيد العمال العالمي وهم بلا عمل وأمل ووطن بالاضافة الى يوم القدس العالمي وانطلقت صيحات التذكير من الجوامع والمساجد يوم الجمعة بيوم القدس العالمي وفلسطين التي ماتزال ترزح تحت الاحتلال الصهيوني في ظل غيبوبة الامة ونمو التآمر الاستعماري على الوطن العربي بقدوم سايكس بيكو جديد وخطر التقاسم الدولي لتمزيق الممزق وارتماء الاعراب في حظن العدو الغاشم بالتطبيع المذل والتفريط بالمقدسات.
وفي هذا العام أصيب الناس بخيبة أمل بالانفلات الأمني المستشري في كل ربوع الوطن وتنامي موجة الفقر الآباء لم يستطيعوا شراء حاجيات الأطفال واكتفى البعض بشراء بدلة واحدة على غير العادة ما أدى إلى إصابتهم باليأس والإحباط بالإضافة إلى عدم سفر العديد من الأهل إلى قراهم للاحتفال بهذا العيد مع أسرهم وذويهم والذي تحول على حزن عند الأمهات خاصة وعلى غير عادة اكتفى البعض بشراء الدجاج لعدم الحي والمثلج وعدم الاستطاعة على ذبح الذبائح كما هو معتاد من قبل وأصابتهم بضائقة مالية غير معتادة.
كما أن هطول الإمطار الخفيفة حولت الشوارع إلى مستنقعات وانبعاث الروائح الكريهة واتساخ ملابس الناس في هذا اليوم محملين السلطة المحلية مسؤولية هذا التردي الصحي وغياب النظافة ونهب الموارد التي تجبى من الناس دون فائدة وكما قيل مجلس محلي بالمشمس .
بالإضافة إلى انقطاع الماء عن مدينة التربة منذ بداية رمضان وارتفاع سعر شراء بوزة الماء إلى مبالغ خيالية وحرمان العديد من الناس من مشروعهم الذي يعود إلى بداية السبعينات ونهب أمواله وتغيير الإدارة السابقة بجديدة غير مؤهلة وعندما شكى البعض لوزير الخدمة المدنية سابقا محافظ تعز حاليا المتواجد هذه الأيام في تعز بأمر رئيس مجلس القيادة تردي الوضع الصحي وانعدام المياه وعدهم بالتواصل مع وزير المياه لتوفير وشراء مادة الديزل لضخ الماء إلى المنازل لكن دون جدوى ولم يشرب الناس في عيد الله وكان السكان من يهود بني قينقاع.
إلى ذلك يتساءل الناس أين الجمعيات الخيرية التي تعمل موسميا وتغيب طول العام فلا تمارس دور خيري إلا في المواسم ثم تختفي بقية السنة فلا يستفيد منها المواطنين في التخفيف من آثار الفقر المستشري بين الناس وتقديم الخدمات الضرورية بالإضافة إلى توقف المنظمات الدولية عن العمل واقتصر دورها على الحلقات التوعوية وتوزيع الصابون وحفاضات النساء.
وفي يوم العيد التقينا بالاخ رضوان عبدالله الحمادي (مهمش) الذي قال :جئت من قريتي في بني حماد الى التربة لكي ابيع هذه النفايات البلاستيكية بسعر الكيلو50 ريالا وبالقيمة سأشتري دجاجة العيد لأسرتي وأضاف العيد عيد العافية والذي ما معه ملابس جديدة يلبس القديمة والشرعية راقد ما تدري بحالة الناس الجياع.
من جهته قال الأخ حسن بن يحي :العيد من دون فلوس تعب ونكد وأضاف ..ياعيد أيش جابك ؟؟ تنكد على أحبابك..والعيد ما هو..إذا الحياة تهديد .. بالوعد والوعيد.. تعايد أصحابك .. جننتنا ياعيد .
وعود عرقوب:
كان الموظفين على أمل تسلم مرتب إكرامية العيد اسوة بالدول المجاورة التي رعت واستدعت ألف من الشقاة إلى الرياض وسلمت كل واحد 100ألف ريال سعودي لكن خاب ضنهم ولم يكف المرتب لشراء لوازم العيد ومصاريف شهر طويل سيمر عليهم كونهم استلموه بدون علاوات أو فوارق حسب ما ادعت الحكومة ذلك آملين أن تصرف بعد العيد لسداد الديون التي على عاتقهم وقال احد التربويين وعود الحكومة كوعد عرقوب.
عساكم من السالمين:
تمثل الحجرية في تعز الجزء الأهم من المنظومة اليمنية المتمسكة بالقيم والموروث الشعبي الاصيل والتقاليد والعادات الحسنة جيلا بعد جيل كما أن شروق الابتسامة كفجر يوم العيد القادم من السماء الذي أطل بابتسامته كشروق يم جميل غير عادي على الوجوه وترافق أيام العيد باللبس الجديد وأطباق الحلويات اوخلو المائدة هذا العام من اللحوم مع استمرار الفرح والانغام التراثية الممزوجة برحيق الورود وروائح العطر والبخور وتبادل التهاني بهذا العيد القادم من ملكوت الله رغم الغلاء والبلاء والانفلات الامني والواقع الغير سوي المضطرب وإفساد أفراح الناس الطيبين بتلك المنغصات ومع ذلك الحمد لله أن العيد مازال موجودا وبهذه المناسبة نزف التهاني للشعب العربي واليمني أجمل أماني الخير بالعيد السعيد وكل عام والجميع بألف خير وعساكم من عواده ومن السالمين .