يوسف شمسان المقطري يكتب : البنك المركزي عدن بين الواقع والمأمول:

(شبكة الطيف) كتب : يوسف شمسان المقطري

اقتبس كينز ملاحظة تعود إلى (لينين) مُقرٍّا بما فيها تقول (ليس هناك وسيلة لقلب أسُس المجتمع القائمة أدقَّ وأقوى من إفساد عملته ) لذلك يحظى سعر الصرف باهتمام بالغ من جميع فئات المجتمع، أصحاب رؤوس الأموال، المستثمرين، التجار، والاكاديميين، لينتقل أثره على المواطن ومعيشته بدرجة كبيرة، لذلك أصبح الجميع يضعون أملهُم في كل تغيير لإدارة البنك المركزي.

كنت قد ذكرتُ في منشور سابق عن ما وراء الهبوط السريع لسعر الصرف، على ضوء المعطيات للواقع الاقتصادي وحذرت أن الهدف من وراء هذا الهبوط السريع هو:
1- امتصاص الصرافين لمدخرات المواطنين محدودي الدخل من العملة الصعبة المتخوفين من الهبوط الكبير الشائع وحملة التظليل.
2- تمهيد تجار الحروب والصرافين لامتصاص الوديعة الجديدة بأسعار منخفضة وفي الأخير تذهب مهب الريح.
3- كما أشرت إلى ضرورة قيام الإدارة الجديدة (بالدراسة العميقة في التعامل بالسياسة النقدية وان تكون أولويات قيادة البنك إعادة ترتيبهُ من الداخل).

للأسف الشديد وقع الكثير من المواطنين في هذه المصيدة وفقدوا مدخراتهم، وما نخشاه الآن وقوع البنك المركزي هو الأخر في فخ الصرافين اذا بحث عن( الإنجاز السياسي وليس الاقتصادي) .

اولا : واقع البنك المركزي عدن:

ماذا نقصد بالدراسة العميقة في التعامل بالسياسة النقدية وإعادة ترتيب البنك من الداخل؟
في هذا الموضوع سوف أتطرق إلى توصيف واقع البنك المركزي، وهو الإجابة عن السؤال (واقع السياسة النقدية)، بحيث يستطيع القارئ الغير متخصص، من فهم حجم المشكلة التي يواجها البنك المركزي في عدن وقيادته الجديدة، المشهود لها بالنجاح والكفاءة ، وهذا ليس تبرير لهم، وإنما حتي لا يقع المواطن في فخ الصرافين والتلاعب في سعر الصرف، والابتعاد قدر الإمكان عن المشاركة في المضاربة والتربح؛ على افتراض توفر الموارد للبنك المركزي التي سبق أن ذكرناها في المنشور المذكور أعلاه.
1- يفترض أن تكون أولويات البنك المركزي هي إعادة ترتيب السياسة النقدية للبنك التي افتقدها من تاريخ النقل إلى عدن، ولم يعد يمارس مهامه كبنك مركزي، غير المهام الملحة للحكومة في طباعة النقد لتوفير وتغطية التزاماتها من غير غطاء، وهذا يعرفه الجميع وكان له الأسباب الكارثية في تدهور العملة، وارتفاع معدلات التضخم.
2- البنك في عدن غير مستقل في عملة ويتم التدخل المستمر في مهامه من قبل الأطراف المتصارعة والمتنفذة وفي بيئة صعبة وغير قادر على تنفيذ توجيهاته.
3- قيادة البنك المركزي صنعاء وعدن، والاقتصاديين والخبراء، يعلمون كما يعلم الصرافين المرتبطين بتجار الحروب من السياسيين والعسكريين الذين يعرفون قدرات البنك المركزي، وقدرات الحكومة، ويعملون بما يخدم مصالحهم، ولهم تحليلاتهم وخبرائهم في رسم سياسات المضاربة، وخنق البنك المركزي عدن، وما سيواجههُ من تحدٍ كبير .
4- لم تعد أدوات السياسة النقدية فعالة لدى البنك المركزي عدن، وذلك لغياب دور القطاع المصرفي وتهميش دوره، وهو المعني أساساً بتطبيق أدوات السياسة النقدية، وتم استبداله بقطاع الصرافين الذين ليس لهم دور تنموي غير التربح من المضاربة في العملة.
5- هناك سياسات داخلية ( كيفية وتأديبية) أخرى، يتبعها البنك المركزي مع البنوك والصرافين، هي الأخرى لم تعد فعالة لأن الرابط بين البنك المركزي والقطاع المصرفي كبنك البنوك انفصل تماماً، وأصبح بنك الحكومة لتسير أعمالها في هذه المرحلة.
6 – لم يعد يملك البنك المركزي غير سياسة سعر الصرف التي يتعامل بها رغم أنها بعد التعويم، تعتبر سياسة التدخل المباشر، غير مقبولة في نظام التعويم الحر، وله اتباع أدوات التدخل الغير مباشرة والمتمثلة في أدوات السياسة النقدية التالية:
1- سياسة الاحتياطي النقدي.
2- سياسة سعر الفائدة.
3- سياسة السوق المفتوحة.
لذلك أصبح سعر الصرف يدار من البنك المركزي بتدخلاته المتكررة وهو ما يطلق علية ما تسمية (التعويم القذر) كونه في ظروف غير طبيعية.

ثانياً : أسباب تعطل أدوات السياسة النقدية للبنك:
1- سياسة سعر الفائدة: في ظل أرتفاع معدلات التضخم لم يعد معدل الفائدة الحقيقية مشجع (سعر الفائدة الحقيقي سالب) كذلك معظم السيولة النقدية خارج الجهاز المصرفي وفقدان الثقة بالريال وشيوع عملية الدولرة (الأقبال على العملات الأجنبية).
2- سياسة السوق المفتوحة: لم يعد القطاع المصرفي والجمهور يثق بالبنك المركزي، حيث ماتزال السندات الحكومية، وأذون الخزانة، وحسابات المودعين محتجزة، ولم يتم تصحيح مسارها والتجاوب مع المودعين والمتعاملين بها ورد اعتبار القطاع المصرفي.
3- سياسة الاحتياطي القانوني والإلزامي: ما زالت تحت سيطرة سلطات صنعاء، وأصبح كل فرع يفرض سياسة الأمر الواقع في بسط سيطرته عليها وتوريدها لديه، وكذلك حرب البيانات وتزويد البنك المركزي بها، تلك البيانات ضرورية لمتخذي القرارات في البنك المركزي، وتحديد السياسات النقدية ورسمها.

ثالثاً : واقع القطاع المصرفي:
البنك المركزي يمثل المحور الرئيسي لهذا القطاع، لما يقوم به من دور في إدارة السياسة النقدية والمصرفية، والحفاظ على الاستقرار المالي وبالتالي إرساء أسس نمو اقتصادي قابل للاستمرار والذي تأثر بالعوامل التالية:
1- أصبح القطاع المصرفي اليمني ضحية الصراع بين البنكين عدن وصنعاء، حيث حجزت أمواله وودائعه الداخلية التي لم يطلقها البنك المركزي والتي مازال التفاوض عليها محل جدل.
2- احتجاز أموال بعض البنوك التجارية المودعة في بنوك تجارية خارجية ساهم في اضعافها ولم يتدخل البنك المركزي في ذلك.
3- تسرب النقد خارج الجهاز المصرفي بنسبة تتعدى حاجز 60٪ من النقد، وسيطرة قطاع الصرافة عليه، وهو ما خلق سيولة كبيرة للتلاعب في سعر الصرف.
4- ممارسة الأساليب التأديبية التي يتخذها كل من بنك صنعاء وعدن على الجهاز المصرفي مثل حجب السيولة، ووقف الأجهزة الشبكية، ورفض شيكات المقاصة، رفض تمويل أو استلام السيولة، تعثر فتح الاعتمادات المستندية التي يحتاجها، وغيرها من السياسات التأديبية الداخلية للبنك المركزي.

النتيجة:
بناءً على ما سبق لم يعد القطاع المصرفي فعالا، وهو ما انعكس على عدم فعالية السياسة النقدية للبنك المركزي، لتحقيق استجابة فعاله في السوق على المدى القصير تدعم توجهاته في الإصلاح، تعتبر سياسة سعر الصرف هي المتاحة في التدخل المباشر للبنك المركزي حاليًا والتي تتطلب مخزون كبير وضخم من الاحتياطيات النقدية ومهما كان حجم تلك الودائع وحجم الاحتياطيات وحجم الإيرادات من غير تفعيل أدوات السياسة النقدية والمالية والتجارية جنبًا إلى جنب فان مصيرها إلى زوال، وسيكون تأثيرها قائم بالتوفر المستمر للنقد الأجنبي.

رابعاً : سياسة سعر الصرف:
هي الأداة المتاحة أمام البنك المركزي عدن، ولكنها رغم ذلك تحتاج لإصلاحات السوق الموازي من المضاربين وشركات الصرافة، وتفعيل إدارات البنك الداخلية، وتشديد الرقابة الصارمة في التعامل بالعملة ورفع التقارير اليومية.

خامساً : المأمول من البنك المركزي مراعات ما يلي :
1- أن لا يقع البنك كما وقع المواطن في فخ الصرافين وامتصاص ما تبقى لديه من سيولة أجنبية وتبديد احتياطاته قبل امتصاص (الفائض من السيولة النقدية) التي تم طباعتها باستغلال عمليات( الارتداد في سعر الصرف) قبل تخفيض أسعار الصرف لمستويات كبيرة .
2- سرعة العمل على تفعيل أدوات السياسة النقدية للبنك المركزي عدن وتطبيقها على الفروع الواقعة تحت سيطرته.
3- سرعة تفعيل دور القطاع المصرفي ورد اعتباره وهو شرط رئيس لتوفر سياسة نقدية فعالة وقطاع خاص فعال في توفير التمويل الداخلي والاستثمارات الخارجية وإعادة الأعمار والتنمية المستدامة وإرساء أسس نمو اقتصادي قابل للاستمرار.
4 -على الجميع ان يعي ان استمرار الانقسام النقدي ووجود بنك مركزي صنعاء وأخر في عدن هي حقيقة، وأن التقارب بعيد المنال في ضل اقتصاد الحرب والتجارب خير شاهد على ذلك ولن ينجح تدخل الأمم المتحدة في هذا المجال وأن أرادت.
5 – استقلالية البنك المركزي عدن (تحيد البنك المركزي) وعدم التدخل في مهامه .
6- العمل بمبدأ الحوكمة والشفافية والرفع الدوري بالتقارير لما يخدم الاقتصاد.
7 – مهما بلغ هبوط سعر الصرف قبل استعادة أدوات السياسة النقدية والمالية والتجارية سيكون مرتبط بحجم الاحتياطيات من النقد الأجنبي وبحجم المعروض النقدي منها في للسوق.

◾ إن الحالمين بعصا سحرية للبنك المركزي واهمين لأن البنك افتقد أدواته الفعالة كبنك البنوك ولم يعد يملك غير كونه بنك الحكومة يمسك دفاتر الحكومة ويطبع النقود لتغطية التزاماتها، حيث أنه بحاجة إلى استعادة مكانته من جديد والتي سيقف الجميع من غير الشرفاء في عرقلة مهام القيادة الجديدة.
تمنياتي للقيادة الجديدة التوفيق والنجاح فعليها أمال اليمنين وتطلعاتهم
الباحث الاقتصادي والمصرفي

Yousef Shamsan