مقال ضد السعودية يكلف الصحافة المصرية مقالات لترضيتها

 

(شبكة الطيف) القاهرة

لا تزال أصداء مقال كتبه رئيس تحرير جريدة “الجمهورية” الحكومية منذ أسبوعين، وتطاول فيه على السعودية، مستمرة؛ فقد حفلت العديد من الصحف والمواقع المصرية بمقالات وتقارير وتصريحات تحضّ على إزالة آثاره السلبية والتأكيد على حيوية العلاقات مع الرياض كنوع من الترضية السياسية، لكن المملكة تكتفي بالصمت والمتابعة حيال مقال حذفه كاتبه لاحقا ووضع بدلا منه مقالا يمجّدها.

ومن يتابع حشد المقالات في صحف ومواقع مصرية عامة وخاصة الأيام الماضية يمكنه التأكد من حرص القاهرة على عدم إطالة أمد الأزمة مع الرياض.

وكلف المقال، الذي نشر في الثاني من فبراير الجاري بعنوان “الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأندال”، الصحافة المصرية العديد من المقالات التي تسير عكس اتجاهه تماما، في مقدمتها كاتبه عبدالرازق توفيق الذي عاد وكتب مقالا ثانيا بعد ثلاثة أيام فقط من المقال الأول بعنوان “القاهرة الرياض.. القلب النابض للوطن العربي”.

ويبدو أن محاولة محو الآثار التي خلفها المقال الأول لم تكن مجدية، فتطلب الأمر تكليفات رسمية وشبه رسمية بنشر مقالات تؤكد على العلاقات الإيجابية بين البلدين.

وحفلت صحف مختلفة بموضوعات تشدد على أهمية التعاون والتنسيق بين القاهرة والرياض، ناهيك عن تصريحات قوية أدلى بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الإمارات قبل أيام تسير في طريق معالجة الأزمة التي تسبب فيها المقال، وتضمنت ما يوحي باعتذار ضمني لدول الخليج، والسعودية بشكل خاص.

ويشعر الناظر إلى عناوين المقالات بأن الحكومة المصرية أوحت لكتابها والموالين لها والمحسوبين عليها بعزف لحن واحد يشدد على أهمية العلاقات مع الرياض وعدم المساس بها، وهو تنصل مباشر من مقال رئيس تحرير “الجمهورية”، لأن حزمة المقالات التي لا تزال تتوالى تقول إن “مصر والسعودية إيد (يد) واحدة”.

وقد مرت على البلدين سحب وغيوم إعلامية مختلفة خلال السنوات الماضية، لم تبلغ فيها وسائل التواصل الاجتماعي حدا كبيرا من الانتشار والتأثير، وكان التعامل معها لا يستغرق وقتا طويلا؛ مقال هنا أو مقال هناك ثم ينتهي الأمر، لأن كل طرف يدرك أن أي أزمة بين البلدين سيتم تطويقها سريعا، والمصالح الإستراتيجية لن تتحمل استمرارها. وكان التضارب ظاهرا أحيانا بين بعض الجهات، فثمة من رأى في هذا الأمر توصيل رسالة زاعقة، وآخر فضل الهدوء إلى حين تسوية الخلاف.

وحكى إعلامي مصري لـ”العرب” موقفا معبرا عن ازدواجية تعزز خصوصية العلاقات بين القاهرة والرياض وعملية إدارتها، حيث كتب رئيس تحرير صحيفة كبرى مقالا قبل سنوات شمل انتقادات حادة لتصورات السعودية في قضية إقليمية ما، وآنذاك حظي باهتمام من وسائل إعلام متباينة، خاصة المناوئة لتوجهات الرياض في المنطقة، واتُخذ المقال دليلا على عمق الأزمة بين الرياض والقاهرة.

وأضاف المصدر نفسه أن مسؤولا عن صفحات الرأي في الجريدة نفسها وجد من الكياسة أن ينشر في اليوم التالي مقالا يؤكد على أهمية الروابط بين مصر والسعودية كنوع من التوازن والوعي السياسي بأن العلاقات بين البلدين لن تصل إلى مستوى الأزمة التي عبر عنها مقال رئيس التحرير.

وأكد المصدر، الذي كان طرفا في هذه الواقعة، أنه تعرض إلى لوم من رئيسه المباشر بذريعة أنه “أجهض الرسالة السياسية المقصودة بنشره مقالا إيجابيا في اليوم التالي”، وظل الصحافي يدافع عن موقفه من واقع فهمه أن الخلاف مع الرياض لن يدوم.

وتابع المصدر لـ”العرب” أن الحوار الذي دار بين رئيس التحرير والمسؤول عن صفحات الرأي في ذلك الوقت عبر الهاتف توقف عند نقطة الخلاف هذه، وفي اليوم التالي توقع المسؤول استكمال الحوار بصورة حادة، لكنه فوجئ وهو في مكتب رئيس التحرير بتلقيه (رئيس التحرير) مكالمة من مصدر مصري كبير يشيد بحنكته وحكمته في نشر مقال “ترضية” للسعودية بعد مقاله العاصف.

 

وتكشف هذه الرواية الحقيقية أن العلاقات بين مصر ودول الخليج تمرض ولا تموت، وأن الأزمة الراهنة مع السعودية جاءت نتيجة فقدان الكياسة السابقة التي كان يتحلى بها مسؤولون وإعلاميون في مصر، وقدرة البعض منهم على قراءة المشهد السياسي بصورة صحيحة تمنع الانزلاق نحو أزمات تحتاج معالجتها إلى جهود كبيرة.