عشرون عاماً من اعلان الحرب على الجنوب واشتراك القبيلة والارهاب والجيش فيها

بقلم / رائد الجحافي
عشرون عاماً تفصلنا عن يوم الـ “27” من ابريل 1994م، عندما وقف الرئيس
اليمني علي عبدالله صالح الشريك في وحدة مايو 1990م في ميدان السبعين
بصنعاء ليعلن في خطاب له الحرب على الجنوب، وبخطابه المشؤوم قطع الطريق
أمام كافة الجهود والمساعي العربية والدولية التي حاولت احتواء الازمة
بين طرفي النزاع (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية
اليمنية)، وهكذا ضرب الرئيس اليمني بجميع تلك الجهود عرض الحائط دونما
اعتبار للأعراف الدبلوماسية او احترام المواثيق والمعاهدات الدولية
المصادق عليها، وجاء اعلان تلك الحرب لتكشف المخطط الارهابي الخطير وفق
الخارطة الصدامية التي خطط لها الرئيس اليمني مع نظيره الرئيس العراقي
صدام حسين والتي تتمحور حول السيطرة الكبرى على منطقة النفط العربية
الممتدة من العراق حتى مضيق باب المندب، والتي سبق وان فشلت بخروج صدام
حسين من الكويت في العام 1991م بعد اشهر من اجتياحها عندما وقف العالم
باجماع ضد ذلك الغزو، ذلك الاجماع ارغم صالح على التراجع عن شن حرب مبكرة
على الجنوب لكنه وجد نفسه أمام خيار لا بد من الأقدام عليه وهو اختلاق
الحرب التي أعد لها منذ سنوات وقد وجد المبرر لشنها من الازمة التي ظهرت
بينه والجنوبيين آنذاك وذلك من خلال الأعمال الارهابية التي استهدفت
الشخصيات الجنوبية في السلطة، ففي 26 ابريل 1992 تعرض عبد الواسع سلام
وزير العدل لمحاولة اغتيال وفي نفس الشهر انفجرت قنبلة في منزل سالم صالح
محمد عضو مجلس الرئاسة، وفي 14 يونيو 1992 جرى اغتيال هاشم العطاس شقيق
رئيس الوزراء حيدر أبو بكر العطاس، وفي 21 يونيو 1992 اغتيل مستشار وزير
الدفاع ماجد مرشد وفي 20 اغسطس 1992 تعرض منزل الدكتور ياسين سعيد نعمان
لهجوم صاروخي، وفي 10 سبتمبر 1992 تم القاء قنبلة في منزل الدكتور ياسين
اودت بحياة اثنين من مرافقيه، وفي 29 أكتوبر اثنان من أولاد علي سالم
البيض ينجوان من محاولة اغتيال وقتل ابن شقيقة البيض في تلك العملية، وفي
15 نوفمبر 1993 تعرض منزل نجل البيض لإطلاق نار من ثكنة عسكرية، وفي 17
ديسمبر 1993 منعت الشرطة العسكرية سيارة رئيس الوزراء حيدر ابو بكر
العطاس ومرافقيه من دخول صنعاء ولم يسمح لهم بالدخول إلاّ بعد توسط مجاهد
ابو شوارب.
وعلى الرغم من لجوء الجنوبيين الى الحوار السلمي لايجاد مخرج للأزمة الا
ان ذلك لم يشفع لهم، التقى طرفي النزاع في اكثر من طاولة مفاوضات عربية
ودولية أهمها لقاء (عمَّان) الذي جرى فيه التوقيع على وثيقة العهد
والاتفاق بين الطرفين ليتنصل الرئيس اليمني عنها بعد مضي أيام قليلة على
توقيعها، واعلن الحرب على الجنوب ليتضح جلياً حينها ان صنعاء كانت قد
أعدت العدة لشن تلك الحرب منذ وقت مبكر لا يرتبط او يتزامن اعدادها ذلك
مع ظهور الازمة بين الطرفين، وهنا قد نعيد النظر والتفكير حول السبب
الرئيسي الذي جعل من صنعاء غير آبهة بدمج جيشي الدولتين خلال السنوات
الثلاث التي تلت العام 1990م، اذ اكتفت باهمال الجيش وعملت من خلال
اياديها على كشف مدى جاهزية جيش الجنوب والعمل على خلخلته واخراجه عن
الجاهزية وتشتيته في نفس الوقت دأبت على استكمال اعداد الوحدات العسكرية
التابعة لها وايجاد خارطة توزيع لوحداتها في المناطق الحساسة في الجنوب،
كما أعدت خطط عسكرية بمساعدة خبراء عراقيين حول طريقة شن الحرب لاحتلال
الجنوب، وفي اليوم التالي شرعت صنعاء تنفيذ أولى خطواتها من خلال ضرب
المعسكرات الجنوبية المرابطة في أراضي الشمال، وقام اللواء الأول مدرع
التابع للفرقة الأولى بقيادة علي محسن الأحمر بمحاصرة لواء المدرعات
الجنوبي المتمركز بمحافظة عمران في الشمال وتفجير الحرب هناك حتى تم
القضاء كلياً على قوام المعسكر، وكان هذا عقب خطاب الرئيس اليمني يوم 27
ابريل 1994م بساعتين فقط، وفي نفس الوقت بدأ التوتر بذمار حيث قامت
القوات التابعة للعربية اليمنية بارسال تعزيزات حول جبال آنس بذمار
وتطويق لواء باصهيب الجنوبي المتمركز هناك، وقامت بتفجير الحرب عندما
اصبح قوام القوات الشمالية يفوق عدد وعدة لواء باصهيب، كما قامت الوحدات
العسكرية التابعة للعربية اليمنية مدعومة بمليشيات القبائل والمتطرفين
الاسلاميين بشد الخناق على اللواء الرابع مدفعية الجنوبي الموجود هناك
وتدميره، كما تم محاصرة بقية الوحدات العسكرية الجنوبية الأخرى كاللواء
الخامس مضلات في خولان بصنعاء اليمنية واللواء الموجود في جبل الصمع في
صنعاء أيضاً، في حين بادر اللواء الثاني مدرع وقوات العمالقة التابعة
للعربية اليمنية والمتمركزة في الجنوب بمهاجمة مواقع القوات الجنوبية
القريبة منها، وهذا ما يؤكد النية المسبقة للعربية اليمنية التي خططت
للحرب ضد الجنوب وكانت الخطة تهدف إلى السيطرة على الطرق الرئيسية التي
تربط بين المحافظات والمناطق الجنوبية، إذ عملت تلك الوحدات العسكرية
الشمالية على تطويق العاصمة عدن لقطع الامدادات وعرقلة تقدم الجيش من قبل
اللواء الثاني مدرع بمنطقة العند على المدخل الغربي للعاصمة عدن، اما
لواء العمالقة الذي بلغ قوامه أكثر من ستة عشر كتيبة في أبين فقد قام
بقطع المدخل الشرقي للعاصمة عدن وعزلها عن حضرموت وشبوة المهرة.
اليوم ونحن نقف لنتذكر هذا اليوم المأساوي وثورتنا قد بلغت مبلغاً كبيراً
يجب ان نستفيد العبر ونستخلص الدروس ونزيد من ايماننا بضرورة ووجوب تحقيق
الهدف السامي المتمثل الاستقلال والتحرير، وان لا نكون مجرد سذج يسهل
خداعنا مرة أخرى، وهاهو المحتل الآثم يحاول تكرار سيناريو خدعتي الوحدة
المزعومة وخدعة حرب العام 1994م من خلال اصطناع الحرب على الارهاب في أرض
الجنوب، والكرة باتت في ملعب الجنوبيين ليكونوا أو لا يكونوا، ان أساليب
الخدع التي يجري التعامل عبرها مع الجنوب كثيرة ومتنوعة وليس اقلها خطورة
خدعة الحوار اليمني ومخرجاته الذي يعمل الاحتلال ليل نهار في محاولة
لتمريره على الجنوبيين، فهل استوعبنا الواقع، وأدركنا مجرياته لنستفيد
ونستقي منه ما ينفع قضيتنا ويعجل من يوم الخلاص المتمثل باستعادة دولتنا
المستقلة؟؟.
كيف اشترك بن لأدن وعناصر الجهاد في الحرب على الجنوب؟
في العام 1990 م عندما فرض الحزب اﻻشتراكي اليمني الحاكم في الجنوب
قرارالدخول مع الجارة (الجمهورية العربية اليمنية) بوحدة اندماجية، وبعد
مضي وقت قصيرشرعت الجماعات اﻻسلامية المتطرفة (المجاهدين العائدين من
افغانستان) باستهداف الشخصيات الجنوبية في صنعاء وبلغ عدد الجنوبيين
الذين جرى اغتيالهم حوالي (153) قيادي جنوبي وجاءت تلك اﻻغتياﻻت ضمن
اتفاق بين علي محسن اﻻحمر، الزنداني، الشيخ عبدالله اﻷحمر،علي عبدالله
صالح، اسامة بن ﻻدن، حيث توعد اﻷخير باجتثاث الحزب اﻻشتراكي اليمني
والسيطرة على الجنوب واقامة دولة اسلامية تخضع للجهاديين وهذا المخطط كان
قبيل اعلان وحدة مايو 1990م، لكن اعلان الوحدة لم يوقف التواصل والتخطيط
بين المجاهدين من اﻷفغان العرب والقوى الحاكمة في صنعاء، إذ أستمر المخطط
في القضاء على الجنوبيين واجتثاث القيادات الجنوبية .
في العام 1994 م عندما أعلن الرئيس اليمني “علي عبدالله صالح” الحرب على
الجنوب سبقت تلك الحرب حملات تعبئة دينية إذ شرع المتطرف عبد المجيد
الزنداني المقرب من “أسامة بن ﻷدن” بحملات دينية تحريضية ضد الجنوبيين،
واتبعها بعدة فتاوى دينية تجيزالحرب على الجنوب واحتلاله ونهبه وقتل
اﻻطفال والنساء واعتبار الجنوب غنائم حرب، وعندما اندلعت الحرب على
الجنوب شارك آﻻف الجهاديين في اجتياح الجنوب واحتلاله وتدميره، وعقب
احتلال الجنوب، نشطت تلك الجماعات المتطرفة وأصبحت الشريك القوي في الحكم
، فعملت على توسيع قاعدة تواجدها واقامة الكثير من معسكرات التدريب،
باﻷضافة إلى فتح المعاهد الدينية واﻻنفراد بمنهج دراسي متطرف،
والسيطرةعلى أهم مراكز السلطة والحكومة وامتلاك مقدرات كبيرة، وهو اﻷمر
الذي أعطى توسع لرقعة تواجدها اليوم.