عبدالرحيم الحميري يكتب : بم أفكر ؟ خسارة كبرى

(شبكة الطيف) كتب : عبدالرحيم الحميري

لم يعد لدينا شي نقدمه لأنفسنا ولغيرنا سوى تسلطنا على حقيقتنا وكبتها وإخمادها كلما شبت فينا واشتعلت لتوقد شعلة فينا أو تضيء قنديلا أو تنير شمعة ما وفي المقابل صار متاحا لدينا جميعا إعمال كل باطلنا المزيف وتنميقه وإبرازه كحقيقة نريدها بمحض إرادتنا وهنا لايمكن القول في هكذا صدد سوى كم نحن قاسون على حياتنا ومنتهكون لحريتنا وكم هو مؤسف أن تغادر كل هذه الجموع مربعاتها منتقلة إلى مربعات الضياع ومغالطات النفس وتطويعها على الباطل وإحداث سلوك ثابت مترهل وترسيخه بهذا التكلف المستبد للقناعة الفعلية المتجذرة في أعماقنا جميعآ يافيس.
لم يعد لدينا هموما مناسبة نكبدها أعمارنا فننصهر تلقائيا فيها ومن ورائها وبسببها ونفقد نتيجة تلك الهموم التي لا تناسب أعمارنا ولا حالاتنا ولا وضعنا فنفقد العيش الجميل في حنايا أيامنا يافيس.
لم يعد للفرح مكانا فينا لأنه لاوجود ولا أثر لأي خطة ناجحة أو خطوة متقدمة متحققة اجتزناها بحق فتضاءلت وتتضائل أحجام عقولنا وصارت أصغر بكثير من كل شيء لاننا لم نشغلها بذواتنا وأشغلناها فقط بالآخرين يافيس.
لم تعد لدينا القوة التي تجعلنا نتمكن من التوقف عن فعل أو أمر أو عمل نحبه ونرغب فيه بشدة لاننا لم نعد نمتلك أي قوة تمكننا من تقرير أي مصير بشكل حاسم أو مفاجئ يافيس.
لم تعد غالبية الناس غالبة بل أصبحت مغلولة إلى أعناقها مغلوبة على أمرها مسيئة صباحا ومساءآ لنفسها يافيس.
لم يعد حاضر فينا الرشاد لدرجة أننا صرنا نعادي أناس لانعرفهم أصلآ ونضع خصوما لنا لم يخاصمونا ونحسب آخرين أعداء رسميين لم يعادونا بشيء ولك هنا أن تتخيل إلى أي مدى ومرحلة قد وصلنا بحماقتنا ولؤمنا يافيس.
لم يعد فينا من يلفت انتباهنا باكتشاف أشياء جديدة حسنة عن نفسه بنفسه وتجد الكثيرين من المتزينين بزينة الحماقة ليؤكدون لك أنهم يعرفون جيدآ من أنت ويفهمونك أكثر من نفسك يافيس.
لم يعد من نراه يتبع سبيل ربه أو حتى سبيل نفسه وفق حريته وإرادته فالكل أصبح مشتركآ في اتباع سبيل غيره ذلك الغير الذي لايحمل خطايا أي متبع له ولسبيله بل يتمكن من التخلي عمن تبعه ويتبعه كلما وقع أولئك الاتباع في فخ العقاب والجزاء يافيس.
لم يعد كل مزهو بما نال يحمل حتى القليل من المشاعر فقد فقدها ف ياترى هل يعلم المزهوون بما ملكوا وماوجدوا أنهم خسروا مشاعرهم لأنهم تخلوا عن الشعور تجاه من لم ينالوا في حياتهم شيئا ؟
وهل يلاحظون أنهم لم يعودوا مدهشين بما حصدوه وبما وصلوا إليه ؟
ففراغهم من إدهاش من لايملك مالايملكون جعلهم ويجعلهم وسيجعلهم بما يملكونه لايساوون شيئا سوى مايساوونه بدونه يافيس.
هل ياترى لايزالون يظنون أنهم سيحصدون مجدا خاصا بهم في المشترك العام الذي لايمكن وصفه سوى بالخراب اليباب ؟
وهل هذا ظنهم إلى الآن وإن كان كذلك فإنه ظن خاسر لن يتحقق منه شيئا حتى لو لم يجتنبوه تجنبآ للمزيد من الإثم الذي تحيكه نفوسهم وتحكيه لهم تلك الأنفس الأمارة بالسوء
وهل يدركون أن الظن الصحيح ليس سوى إدراكهم أنهم فقط يتشبهون وينساقون وراء مخططات رسمها ويرسمها مستفيدين من بروزهم وتصدرهم وأنهم ليسوا سوى أدوات لو كانوا يفقهون؟
وهل ياترى يخالجهم الظن أن الحاضر لن يتمكن من تقديمهم للمستقبل خالدين وأن الأيام كفيلة بملاحقتهم وإيصالهم بكل سهولة إلى إرشيفات العدم والفناء لإنهم بكل بساطة تخلوا عن مواهبهم وفرصهم ووسائلهم وامكاناتهم وصاروا عاجزين عن التأثير ركيكين الأداء وسوف يتداعون تداعيا كبيرا وستنهار مداميكهم وهم يرون ذلك يافيس.
لم يعد هنا من يخاف عليه الناس ويخشون فقدانه من بينهم فقد فقدوا من كانوا يخشون عليهم وقد خابت بالبقية أمانيهم يافيس.
لم يعودوا حتى يتمنون أمنية من أحد ممن هم على قيد الحياة أو يأملون به أو منه أملآ فأصبحت كل المحارق التي تحيط بهم ونيران المآسي المطبقة عليهم أضعف بكثير من أن تخوف الناس في المقابل تمكن كل عميل على أنقاض الفقدان أن يصبح بطلآ متعاليآ يبيع ماضي الناس وآتيهم ويطعنهم في ظهورهم ويدمي جراحهم كلما اقترب منهم غادرا وفاجرا وقاسيآ عليهم وبهم فيعمل بكل جد لكي يجهض أحلامهم ويشد الخناق النفسي والمعيشي عليهم ويتقن فنون الغدر بمبادئهم ومابقى من ثوابتهم ويحولهم إلى ضحايا لايمكن عدهم أو حصرهم لكثرتهم وازديادهم ويبيع بالمزاد دمائهم وهو المعتبر فيهم والكبير الذي يقودهم فلا تجده يقدمهم إلا قرابين لحماقاته وأطماعه ومؤامراته ودون أدنى خوف من نفاذ صبرهم أو تحررهم من ذلهم أو بزوغ فجر وعيهم أو احتمال نبشهم بأيديهم لمقابرهم والبحث عن رفاة عظمائهم وروادهم والتحقيق في كل جريمة ارتكبت بحقهم يافيس.
لم يعد لأي حزن متسع ليكون حزنآ قادرا على الإقامة في النفوس فقد أرهق اليأس الطويل كل قلب صامت وفؤاد واجف وساد الأرق الحياتي كل مضجع حتى جفت الحياة جفافآ لامثيل له ونادى الخوف الناس قائلآ لهم لقد أرخصتم أنفسكم وحللتم دمائكم وبعتم ثوراتكم وظللتم طريقكم وأشعلتم بينكم ثاراتكم وقيدتم أنفسكم بأنفسكم فلا تلوموني ولوموا أنفسكم فلست أنا الخوف سبب مآسيكم ولا المسبب لانتكاساتكم ولا الجالب لهزائمكم لانكم أنتم من بعتم معانيكم وحطمتم مبانيكم وتشدقتم بشتائمكم ولعناتكم لبعضكم وتمتعتم بانتهاك حرماتكم وحللتم كل محرماتكم اتباعآ لأحقادكم وضغائنكم فخسرتم أنفسكم وأعراضكم وثرواتكم وأحاسيسكم ومحبتكم لبعضكم وفقدتم تراحمكم فيما بينكم ونجحتم في استبدالها بوحشيتكم الغاشمة فشدوا الوثاق فليس بعده منآ ولا حتى فداء حتى لو وضعت الحروب أوزارها .