وصف الرواية بأنها فلسفة العصر.. الناقد اليمني محمد ناجي أحمد يتماهى مع الخطاب السردي المعبر عن الذات الوطنية

 

(شبكة الطيف) حاوره: زياد الضيفي
ناقد و أديب بدأ النشر لكتاباته النقدية مع رفع علم الوحدة عام ،1990 حيث عمل مراسلا لصحيفة الوحدوي آنذاك ثم عضواً في اللجنة الثقافية لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين .
الناقد اليمني محمد ناجي احمد من مواليد 26/يوليو 1967 حارة القاهرة _تعز يعد من ابرز النجوم الفكرية والنقدية التي لمع اسمه في الساحة الثقافية بفكره المتقدم ووعيه الموسوعي بالأيدلوجيات والتاريخ والأدب، مماجعل منه احد المؤثرين في الوسط الادبي والثقافي في اليمن صدر له العديد من المولفات أهمها الهويات الطاردة _ المذكرات السياسية في اليمن _ والذاكرة الوطنية والحزبية . السرد في اليمن، من سلطة المجاز إلى غواية التفاصيل، إلخ.
و لكي نقترب منه اكثر أجرينا معه حوارا عن الادب والنقد
استاذ محمد ناجي أحمد، اهتماماتك النقدية تشمل الأدب والسياسة والتاريخ، لكن الملاحظ أنك خلال السنوات الأخيرة أعطيت للفكر السياسي والتاريخي حيزا أوسع من اهتماماتك الأدبية، لماذا؟
بدأت الكتابة النقدية والنشر في الصحافة الأدبية عام 1990/1991 متزامنا مع نشاطي الصحفي حين كنت مراسلا لصحيفة الوحدوي، لتشمل تلك الحقبة من الكتابة الأدبية حتى عام 1997م. كنت يومها عضوا في اللجنة الثقافية لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وأتناول بمقالات نقدية نشرتها في الصفحة الأدبية لصحيفة الجمهورية طيلة 1990/1996، وكانت اهتماماتي الأدبية مشدودة للشعر والقصة القصيرة. واهتماماتي الصحفية تتركز بعمل قصص صحفية عن الفساد داخل أسوار الجامعة، وعن الخدمة المدنية والتربية التعليم، وديوان المحافظة، والندوات والفعاليات السياسية والحزبية، كل ذلك كان متزامنا مع التزامي السياسي القومي آنذاك.
مع أعوام 1997/2002 كانت اهتماماتي تنحو باتجاهات الفكر الاجتماعي والرواية والتاريخ، وهو الاهتمام الذي تكلل في ذلك الحين بكتاب “نقد الفكر الأبوي” ثم في عام 2008 بكتاب “تحرير التحيزات” وفي عام 2010 بكتاب “الهويات الطاردة” الذي كان استقراء نقدية للهويات التي بدأت تطل برأسها منذ ما بعد انتخابات 2006، هو كتاب كان ناقوسا يشير إلى خطر الهويات الطاردة بلبوسها المناطقية الجهوية والمذهبية، وهي الهويات التي أصبحت اليوم تمثل سلطات الأمر المهيمن في تعز وعدن وصنعاء مع سقوط الدولة الهشة التي كنّا نريد الانتقال من رخاوتها إلى قوتها الديمقراطية والوحدوية لكننا وجدنا أنفسنا في هاوية ما قبل الدولة الوطنية التي تأسست مع حركات التحرر العربي ستينيات القرن العشرين.
وفي الأعوام من 2012 كانت اهتماماتي بالمذكرات السياسية في اليمن، والذاكرة الوطنية والحزبية، وأعطيت وقتا كتابيا ليس بالقليل للنقد الرواية اليمنية، التي شكل فيها الإبداع الروائي في تسعينيات القرن العشرين تحولا نوعيا عن الرواية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين؛ أي انتقلت الرواية منذ تسعينيات القرن العشرين والعقود التي تليها من سلطة المجاز الذي ميز الرواية اليمنية في طور ريادتها لتعتني بالتفاصيل اليومية والفردية بغرائبيتها وواقعيتها. اهتمام الرواية في طور ريادتها بالخطاب الوطني حتى أنه يمكن توصيفها بالخطاب السردي المتماهي والمعبر عن الخطاب الوطني سياسيا واجتماعيا.

بالنسبة للرواية اليمنية في طوريها الريادي والجديد هل تراها من حيث التقنيات والخطاب مجايلة لتطور الرواية العربية؟
هناك أسماء روائية مهمة أنجزت أعمالا روائية حفرت حضورها في الذائقة اليمنية والعربية والعالمية، باهتماماتها بما كان مهمشا سواء لدى الفرد أو المجتمع، وبتقنيات نصية مواكبة للزمن الروائي العربي والعالمي، واستطاعت أن تحيل الخطاب السياسي والاجتماعي بتفاصيله إلى عوالم روائية وحياتية مدهشة.
هناك وجدي الأهدل في عديد أعمال له، أهمها من وجهة نظري “أرض المؤامرات السعيدة” هي عمل يخلد نفسه لدى القارئ، أي عمل يعبر المكان والزمان، وهناك أعمال عديدة لأحمد زين، أهمها “قهوة أمريكية” وعديد أعمال أنجزها بعد هذه الرواية. هناك سمير عبد الفتاح في رائعته “نبراس/قمر” وعلي المقري في “طعم أسود رائحة سوداء” ولديه أعمال ثابر على إنجازها صدرت مثل “بخور عدني” “بلاد القائد” “اليهودي الحالي” ومن الأعمال التي أجدها من روائع السرد اليمني “جوهرة التعكر” لهمدان دماج.
“حذاء عائشة” لنبيلة الزبير، “حب ليس إلا” و”عقيلات” لنادية الكوكباني، ولديها كذلك “سوق علي محسن” وريان الشيباني قرات له عملين روائيين مهمين، أهمها “الحقل المحترق” الذي يعد عملا سرديا مهما، سواء في خطابه وحقبته التاريخية التي لم يسبق إليها، أو في تقنياته السردية مع الأزمنة.
هناك “الغربي عمران” وسلسة أعماله المتوالية من “مصحف أحمر” و”الثائر” و “مملكة الجواري” وغيرها…
الرواية اليمنية أنجزت اعمالا مهمة، ففي ظل القصور في الكتابات الاجتماعية والاقتصادية وقلتها كانت الرواية اليمنية هي نافذة الوعي للحياة في خطابها أدبيا واجتماعيا وفكرا، وتقنيات نصية… الرواية ليست ترفا قرائيا وإنما هي الثقافة والفكر والحياة والمتعة الأدبية نقرأها سردا. نستطيع توصيفها بفلسفة العصر.

أيهما تجد ذاتك النقدية فيهما أكثر: النقد الأدبي أم النقد الثقافي”
شمولية النقد الثقافي وتأويلاته المفتوحة على علاقة جديلة بين النص وما هو خارج النص يقدم من وجهة نظري نصا ثانيا موازيا للنص الإبداعي الأول. لكن هذا لا يعني وضع النقد الأدبي بمناهجه: النقد الانطباعي أو النقد الجديد أو البنيوي أو التفكيكي أو نظريات التلقي والاستجابة في مقابل النقد الثقافي، أي ليس العلاقة أفضلية وإنما ما هو المنهج الذي يقترب من النص أكثر، وينجز عملا إبداعيا موازيا، يسمى بالنص الإبداعي الثاني.

غاب النقد الشعري في كتاباتك على الأقل في العشر السنوات الأخيرة، لماذا؟
استمرت تناولاتي النقدية للشعر سواء العمودي والتفعيلي وقصيدة النثر، بمعنى أن قراءاتي للشعر لم تتوقف، لكنها أخذت شكل التعليقات العابرة، أو الكتابة الموجزة، والمشافهات التي لم تنقطع مع الشعراء ونصوصهم، لكن بالتأكيد أخذ الفكر السياسي والتاريخ السياسي الحديث والرواية جل اهتمامي.

هل النقد في اليمن مواكبا للعملية الإبداعية؟
النص النقدي هو إبداع مكتمل وليس تابعا ولا ذيليا لنصوص الأدباء، ومن يطرحون مثل هذا السؤال يحيلون النقد إلى توصيف وتأطير ينتقص من النقد ينطلقون من فكرة تقليدية وهي أن النقد شارحا ومفسرا للنص الإبداعي الأول. النقد إبداع مكتمل بذاته، وإن انطلق من اشتباك مع النص الأول لكنه ليس هامشا ووسيطا له عند القراء!

قرأت لك ذات مرة أن شعر التفعيلة لا يمثل قطيعة مع القصيدة العمودية، في إيقاعه، وربما كذلك في متنه، هل لك أن تتوقف عند هذا الموضوع؟
قصيدة التفعيلة بنيتها الإيقاعية تتكئ على التفعيلة، وهي وحدة وزنية من وحدات البحور الشعرية والعروض العربي، وقصيدة التفعيلة أعطت لنفسها حرية الاكتفاء بواحدة أو بعديد تفعيلات تطول أو تقصر وفقا للدفقة الشعرية، وحاجة الجملة الشعرية للاكتمال، فإذا ليس هناك قطيعة إيقاعية، وبالنسبة للوزن في الشعر العمودي تتعدد متونه كما هو شأن قصيدة التفعيلة… قصيدة النثر بكل تنويعاتها وأشكالها هي التي أحدثت قطيعة مع الإيقاع ومع الرؤية، مستفيدة من تقنيات سينمائية وتشكيلية وسردية ومؤثرات صوتية وبصرية وفلسفية، إلخ.
هناك أسماء مهمة قدمت أعمالا حفرت نفسها في الشعرية اليمنية، ك”طه الجند” و”أحمد حسن الزارعي” وآخرون لا تسعفني العجالة لأتوقف واستذكر…

من هم الشعراء الذين استوقفوك نقديا؟
إبراهيم الحضراني وجرادة وجعفر أمان وعبدالعزيز المقالح وعبد الله البردوني، إلاّ أن البردوني في دواوينه الأخيرة اكتسب خبرة حداثية وما بعد حداثية في الشعرية ومزجها في شعره الذي حافظ على البنية التقليدية.
ومن شعراء التفعيلة، عبد الودود سيف، عبد الرحمن فخري، عبداللطيف الربيع، عبد الكريم الرازحي، محمد حسين هيثم، أحمدضيف الله العواضي، كريم الحنكي، نجيب الورافي وعبد الحكيم الفقيه عبدالوهاب الحراسي وآخرون كثر، ومن شعراء قصيدة النثر: نبيل سبيع، محمد محمد اللوزي، محمد حسين هيثم،محمد المنصور، عادل أبو زينة، فتحي أبو النصر، جميل حاجب، العشرات من الشعراء الذين أنجزوا وما زال بعضهم مستمرا في تقديم الجديد، ولا أستطيع استحضارهم في هذه العجالة من الحوار.
لا شك أن حوارا سريعا كهذا، يجعل المشافهة من الذاكرة تستدعي الأسماء بشكل عفوي واعتباطي، سواء في الشعر أو الرواية اليمنية…

للشاعر والصحفي محمد عبد الوهاب الشيباني كتابان شعريان، ونصوصهما تنتمي لقصيدة النثر، وهو شاعر تسعيني، الكتابان هما: “أضيق من شارع أوسع من جينز” والثاني “مرقص” ألم يستوقفك إنجاز هذا الشاعر؟
“أضيق من شارع أوسع من جنز” و “مرقص” نصوصهما كتبت بلغة فوتوغرافية، تلتقط الوجوه والأمكنة والحكايات بلغة ميكانيكية تخلو من أصالة الروح الإبداعية، لهذا أجد مثل هذه النصوص وقتية،تتلاشى لخفوت ضوئها، هي كتابة أقرب للتناولات والقصص الصحفية.

هل رأيك السلبي عن هذين الكتابين رد فعل عن مشاحنات وخصومات ثأرية ضيقة تثور بين الحين والآخر بين الأدباء والكتاب؟
العكس هو الصحيح،في البدء كان توصيفي لنصوصه وكتاباته ثم نتج عنه ما تسميه بالمشاحنات الثأرية الضيقة.