شاعرات وأديبات تعز.. حضور متواضع يتحدى الحرب والقيود

(شبكة الطيف) تعز: دعاء الزمر

افتتح مكتب الثقافة في مدينة تعز الثلاثاء الماضي معرض الكتاب الرابع الذي يقام في المدينة المحاصرة منذ بداية الحرب المستمرة منذ سبع سنوات. متضمنا على هامشه عدداً من الفعاليات الثقافية والأدبية. من بينها إصدار الديوان الشعري “عطش الغيوم”. الذي يضم إبداعات 66 شاعرا وشاعرة. تتفاوت موهبتهم وحضورهم في المجال الشعري والأدبي.
والأمر الجدير بالملاحظة في هذا الإصدار الشعري، أن من بين هذا الكم من الشعراء في الديوان، لا يتجاوز عدد المشاركات 7%. وهذا ما يثير مسألة قديمة جديدة تتجاوز المشاركة في الديوان الشعري أو معرض الكتاب بشكل عام. لتطرح علامة استفهام حول قلة الإنتاج الأدبي والشعري للمرأة اليمنية وسر تواريها عن الحضور الرسمي والبارز في مجال الأدب.
الحضور المتواضع للمرأة اليمنية في المجال الأدبي والشعري، لا يمكن الحديث عنه دون الإشارة إلى وجود رائدات على قلّتهنّ في الساحة. أمثال الكاتبة نبيلة الزبير الحاصلة على شهادة نجيب محفوظ 2002م، والشاعرة سوسن العريقي والقاصة هدى العطاس، وغيرهن من البارزات.
وبحسب “زيد الفقيه” وكيل الهيئة العامة للكتاب في العاصمة صنعاء، فإن عدد الأديبات اليمنيات منذ 1927 وحتى 2020 بلغ 40 روائية وشاعرة وقاصة!
أكبر من مجرد فعالية
معرض الكتاب والفعاليات المصاحبة له التي يقيمها مكتب الثقافة من ٢١ وحتى 31 ديسمبر، يعد بمثابة إعادة إنعاش للبيئة الثقافية الخاملة بفعل الحرب والظروف الاقتصادية المتردية. وتجد مثل هذه الفعاليات حفاوة وقبول في أوساط الشباب المثقفين. كما تعد فرصة للمبتدئين أو المتعثرين للحصول على الدعم والمساندة.
“هالة التميمي” ممن حضر اسمهن ضمن شعراء تعز في ديوان “عطش الغيوم”، تقول: “أشعر بفخر، وأن هذه بداية قوية للانطلاق بشكل رسمي ومسجل، هذا الشيء الذي طالما انتظرته”.
“هالة” عرفت الشعر وكتبته وهي طالبة في المدرسة. ثم جاءت الجامعة لتصقل مهارتها أكثر وتتيح لها مجال المشاركة في الملتقيات والمسابقات. ولها نصوص نشرت في بعض الصحف مثل الجمهورية والثقافية. ويجد ما تكتبه رواجا في المنتديات والمواقع الإلكترونية. غير أن تجربة نشر نصوصها في ديوان شعري يعد إضافة كبرى بالنسبة إليها، وفرصة للانطلاق بعد توقف لسنوات عديدة.
“ريم الشرعبي” إحدى المشاركات في الديوان الشعري والتي بدأت كتابة الشعر من العام 2015. تتحدث عن هذه التجربة الأولى للنشر، وتقول إن “طباعة ديوان شعراء تعز هي دعوة لإحياء روح المواهب الشعرية”. كما اعتبرت إصدار الديوان “خطوة جبارة تعكس الإرادة الرهيبة لمدير مكتب الثقافة في تحقيق إنجازات عظيمة في وضع انعدمت فيه الإنجازات”.
الشاعرة والقاصة “نجاة شمسان” لا تعد هذه المشاركة الأولى بالنسبة لها في معرض الكتاب. حيث سبق وأن صدر لها العام الفائت ديوانها الشعري الأول “أرجوحة الضوء”. كما يصدر لها هذا العام مجموعتها القصصية “ميكروسكوب”، إضافة لمشاركتها الشعرية في ديوان “عطش الغيوم”.
وتقول “شمسان”: إن “مثل هذه الفعاليات والمعارض تعطينا دافع وتشعرنا أنه لازال هناك اهتمام بالثقافة، كما تقدم لنا الدعم المادي”.
وتضيف “شمسان”، “أشعر بالامتنان لأن ديواني الأول طبع على نفقة مكتب الثقافة، وهذا محفز لمزيد من الإنتاج”.
الأسرة والمجتمع
تختلف حظوظ الكاتبات في البيئات التي يظهرن فيها، والتي قد تكون من العوامل الرئيسية لمضاعفة الموهبة أو إضعافها. حيث أن الأسرة هي النواة الأولى لتشكيل الإبداع وصقله وقد تكون بداية الوأد للموهبة وتعنيفها.
“هالة التميمي” دفعت الثمن غاليا مقابل ميولها الأدبي وموهبتها الشعرية. فقد حرمت من التعليم الجامعي حين علم أهلها أنها تعتلي المنصات لإلقاء القصائد وانقطعت عشرة أعوام عن الدراسة قبل أن تعاودها منذ عام بشغف مساوٍ لشغفها بالشعر.
تقول “التميمي” “أنا من أسرة منغلقة ومتشددة وتحاصر الفتاة على مستوى إنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي. فما بالك حين تكتب شعر ويكون لديها متابعين ومعجبين. هذا مما أدى لانقطاعي الطويل وتأخري في الإنتاج الأدبي”.
استطاعت هالة بفعل شغفها وإرادتها في المجال الأدبي أن تعاود الحضور وتخوض غمار المشاركات وتقدم إنتاجات أدبية متحدية العرف والعادات. كما أطلقت الخيال ليتجاوز الأهل وقيود المجتمع الذي لا زالت تراه رجعي ونظرته للمرأة قاصرة.
وعلى العكس من “هالة التميمي”، كانت الشاعرة والكاتبة “نجاة شمسان” من اللواتي يحظين بمساندة أسرية كبيرة. حيث تعزو الفضل لإصداراتها الأدبية لزوجها الذي تتحدث عنه باعتزاز.
تقول “شمسان” “زوجي المحامي محمد الساري أكبر داعم لي معنويا وماديا ولغويا. حيث يقوم بتوفير الكتب اللازمة لأطلع أكثر وأوسع أفقي معرفيا ويسعى لبذل كل ما يمكن أن يصقل مهارتي الأدبية من الجو النفسي والتحفيز المعنوي وغيره”.
وتضيف “شمسان”، “من المشاكل المجتمعية التي نعاني منها هي شخصنة المجتمع لكل ما نكتب وإسقاط كل ما تخطه أيدينا على حياتنا وهذا أمر مزعج ويتكرر. ينسى الناس أن جزءً كبيرا من الأدب خيال أو وصف لتجارب آخرين”.
المحاضن الثقافية
وبنظرة عامة إلى الكتابات النسائية شعراً ورواية، يتضح أن هناك ضعفاً كبيراً في هذه الكتابات، من ناحية الكم والكيف معا. الأمر الذي يطرح الكثير من الأسئلة، حول احتياجات الكاتبة والشاعرة اليمنية لتطلق العنان لموهبتها وتفجر طاقات إبداعها.
تعد الأسرة هي الحاضن الأول للإبداع. لذا من هناك قبل أي مكان آخر يبدأ صنعها وسقيها لتنمو أو تدفن. وتجاوز المعيقات النفسية كالخجل وضعف الشخصية والقدرة على مواجهة المجتمع من الأمور الأساسية لانطلاق أي موهبة بحسب قول نجاة شمسان.
وتضيف “شمسان”، “الملتقيات والمحاضن الثقافية بإمكانها أن تجمع كل الموهوبات من العدم وتوفر بيئة تلاقح، كما أن وجود معاهد ونوادي متخصصة للأدب ستعمل على تقويم الإبداع وتشذيبه وبإمكانها أن تسهم بشكل جوهري في نبوغ العديد من النساء”.
وترى “نجاة” أن وسيلتها الوحيدة لتقويم موهبتها كانت وسائل التواصل الاجتماعي وصفحتها الشخصية التي استطاعت من خلالها أن تبدأ بالنشر، وجمعت فيها مثقفين وشعراء، ساعدها احتكاكها بهم في التقييم وتحسين الأداء، وتعتقد أن المحاضن الثقافية الداعمة والموجهة شحيحة جدا رغم أهميتها.
أما “ريم الشرعبي” فترى أن هناك حاجة ماسة لوجود “مراكز تأهيل أكاديمي للشعر، كم من الشعراء يملكون الموهبة لكنهم بحاجة لترشيد أكاديمي في قواعد الشعر والعروض واللغة لصقل الموهبة تماماً، أيضا مسابقات محلية مباشرة ومناظرات شعرية تشعل روح التنافس بين الشعراء، بالشكل الذي يُمتع جمهور الشعر والثقافة ويحفز الشعراء”.
الحرب القائمة وتبعاتها النفسية إضافة للحرب الشخصية التي تخوضها بعض النساء مع أسرهن لكسر قيود العيب والحرام، هي الأخرى من وجهة نظر “هالة التميمي” من أكبر العوامل لقلة الإنتاج الأدبي النسائي ورداءته.
وتصف “التميمي” تجربتها بهذا الخصوص فتقول “أنا عايشت الوضع الثقافي والأدبي في تعز قبل الحرب وبعدها، قبل الحرب كان النشاط في أوجه والفعاليات الثقافية في الجامعات وغيرها من المكاتب مثل مكتبة السعيد كانت تقام بشكل دوري”.
وتضيف “التميمي” “هناك كثير من الفتيات والنساء المبدعات في المجال الأدبي والفني لا يسمح لهن بالظهور إلا على المستوى الأسري في أحسن الأحوال، هذا إذا لم يتم قمعهن من الأساس”.
وترى “التميمي” أن “النشاط وخلق المنافسات والفعاليات الثقافية وتشجيع الموهوبات يساعد على إظهارهن وبزوغهن رغم كل القيود”.

*نقلا عن المصدر اونلاين