د.عبد الرشيد عبدالحافظ يكتب : اليمن.. والفصل السابع.. الحقيقة.. والوهم..

(شبكة الطيف) كتب : د.عبد الرشيد عبدالحافظ.
..استاذ القانون الدولي)
يكاد الفصل السابع أن يتحول إلى أسطورة أخرى نضيفها إلى مأثورنا المرتبط بالرقم السحري سبعة وتفريعاته، حتى لكأن مصائبنا كلها في هذا الزمن وراء هذا السابع فقط..
فأين الحقيقة والوهم في كل ما يقال عن الفصل السابع واليمن..
أولاً: ما الذي تعنيه عبارة ((وإذ يتصرف مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة)) التي تتضمنها قرارات مجلس الأمن…
معنى ذلك باختصار أن المجلس يرى أن الوقائع والتصرفات التي يتناولها القرار تهدد السلام والأمن الدوليين، وأن المجلس يسمح باتخاذ كل التدابير التي من شأنها المحافظة على السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه. وهذه التدابير قد تكون اقتصادية أو سياسية أو دبلوماسية وقد تشمل استخدام القوات المسلحة…
كيف بدأ ارتباط اليمن بالفصل السابع في الأزمة الراهنة؟
بدأ ارتباط اليمن بالفصل السابع بقرار مجلس الأمن 2140 /2014 الصادر في 26/2/ 2014.. وهو بالطبع سابق على انقلاب 21 سبتمبر 2014..
وجاء هذا القرار لمواجهة أفراد وكيانات تقوم بإعاقة تنفيذ عملية الانتقال السياسي، على نحو رأى مجلس الأمن الدولي ان ذلك يهدد السلم والامن الدوليين، حيث قرر المجلس تجميد الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الأخرى لأفراد وكيانات محددة، وكذلك حظر السفر على هؤلاء الأفراد.
وحدد القرار المبررات التي تستدعي إخضاع الأفراد والكيانات لتلك الجزاءات وهي: ((أنهم يشاركون في أعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن أو يقدمون الدعم لتلك الأعمال)) وهذه الأعمال تشمل على سبيل المثال لا الحصر (بحسب ما جاء في القرار):
عرقلة أو تقويض نجاح عملية الانتقال السياسي، على النحو المبين في مبادرة مجلس التعاون الخليجي والاتفاق المتعلق بآلية التنفيذ.
أو إعاقة تنفيذ النتائج التي توصل إليها التقرير النهائي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل عن طريق القيام بأعمال عنف، أو شن هجمات على البنى التحتية.
(ج) أو التخطيط لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، أو أعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان، أو توجيه تلك الأعمال أو ارتكابها في اليمن.
وبعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 صدر قرار مجلس الأمن رقم 2201/ 2015 في 15/2/2015 في إطار الفصل السابع أيضاً، وطالب الحوثيين بالقيام فوراً ودون قيد أو شرط بجملة من الأعمال منها: سحب قواتهم من المؤسسات الحكومية، والإفراج عن الرئيس هادي ورئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء وجميع الأفراد الموجودين رهن الإقامة الجبرية أو الاحتجاز التعسفي، والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من جانب واحد من شأنها أن تقوّض الانتقال السياسي والأمن في اليمن.
ثم صدر قرار مجلس الأمن 2204/ 2015 الصادر في 24/2/2015، الذي جدد التدابير المنصوص عليها في قراره السابق 2140/ 2014 ووضع إجراءات لضمان تطبيق تلك التدابير.
ثم صدر قرار مجلس الأمن الشهير 2216/ 2015 في 14/4/2015 الذي أدان استمرار الإجراءات الانفرادية من قبل الحوثيين وعدم انصياعهم للطلبات الواردة في القرار 2201/2015.. وطالب بالتنفيذ الكامل لهذا القرار.. كما طالب الحوثيين القيام فوراً ودون قيد أو شروط بما يلي:
الكف عن استخدام العنف.
سحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء.
التخلي عن جميع الأسلحة الإضافية التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومة القذائف.
التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية…
الامتناع عن الاتيان بأي استفزازات أو تهديدات ضد الدول المجاورة….
الإفراج بأمان عن اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع، وعن جميع السجناء السياسيين وجميع الأشخاص الموضوعين رهن الإقامة الجبرية أو المحتجزين تعسفيا.
إنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم، وتسريح جميع الأطفال المجندين في صفوفهم.
ونص القرار أيضاً على إخضاع الأشخاص المحددين في المرفق الأول بهذا القرار (عبد الملك الحوثي وأحمد علي عبد الله صالح) للتدابير المفروضة بموجب الفقرتين 11، 15 من القرار 2140/ 2014 (عقوبة تجميد الأموال والحظر من السفر).
وأكد على أهمية تنفيذ جميع التدابير المفروضة بموجب القرار 2140/ 2014 والتي جرى توسيع نطاقها في القرار 2204/ 2015.
وأضاف هذا القرار أن على جميع الدول الأعضاء أن تتخذ فوراً التدابير اللازمة لمنع القيام بشكل مباشر أو غير مباشر، بالتوريد أو البيع أو النقل إلى أو لفائدة: علي عبد الله صالح، عبد الله يحي الحاكم، عبد الخالق الحوثي، والكيانات والأفراد الذين حددتهم لجنة الجزاءات المنشأة بالفقرة 19 من القرار 2140/ 2014 …، والكيانات والافراد المدرجة أسماؤهم في المرفق الأول لهذا القرار، وكل من يتصرف بالنيابة عنهم أو بتوجيه منهم ….
وأهاب القرار بجميع الدول ولا سيما الدول المجاورة لليمن إلى أن تتولى بما يتفق وسلطاتها وتشريعاتها الوطنية ويتسق مع القانون الدولي وبخاصة قانون البحار واتفاقات الطيران المدني الدولي ذات الصلة القيام في أراضيها بما يشمل موانئها ومطاراتها بتفتيش جميع البضائع المتجهة إلى اليمن والقادمة منه، متى كان لدى الدولة المعنية معلومات توفر أساساً معقولاً للاعتقاد أن البضائع تتضمن أصنافاً يُحظر توريدها أو بيعها أو نقلها بموجب هذا القرار بغرض كفالة التنفيذ الصارم لتلك الأحكام.
ويطالب القرار أي دولة عضو أجرت تفتيشاً أن تُعجّل بتقديم تقرير خطّي أولي إلى لجنة الجزاءات يتضمن على وجه الخصوص شرحاً لأسباب التفتيش ونتائجه وما إذا كانت لقيت تعاوناً أم لا، وما إذا تم العثور أم لا على أصناف يُحظر توريدها أو بيعها أو نقلها، ويطالب كذلك هذه الدول الأعضاء بأن تقدم إلى اللجنة في غضون 30 يوماً تقريراً خطياً لاحقاً يتضمن معلومات مفصلة عن تفتيش الأصناف ومصادرتها وإجراءات التخلص منها وتفاصيل تتعلق بنقلها، بما في ذلك وصف للأصناف ومصادرها ووجهتها، ما لم تكن هذه المعلومات مدرجة في التقرير الأولي.
ــ هذه هي الإجراءات والتدابير التي اتخذها مجلس الأمن في قراراته بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حرصنا على إيرادها كاملة تقريباً، والتي أكدها في جميع قراراته اللاحقة 2266/ 2016، 2342/ 2017، 2402/ 2018، 2456/ 2019، 2511/ 2020، 2564/ 2021، 2624/ 2022..
ومن كل ذلك يمكن أن نستخلص الآتي:
1ــ أن كل التدابير التي اتخذها مجلس الأمن كان هدفها في الأساس (وفقاً لمنطوق قراراته) ضمان تنفيذ اتفاق نقل السلطة بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ومعاقبة المعرقلين لذلك، ثم مواجهة انقلاب 21 سبتمبر 2014 بهدف استعادة الدولة وإعادة مسار التسوية السياسية إلى مسارها كما هو وارد في كل قرارات مجلس الأمن.
2ــ كل قرارات مجلس الأمن تنص في صدرها على ((التأكيد على التزام المجلس الشديد والقوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية)).. فهذه القرارات كلها جاءت لدعم الدولة اليمنية وسلطتها الشرعية وليس لإسقاط سيادتها أو المساس بها أو نحو ذلك.
3ـــ ليس صحيحاً أن هناك وصاية على اليمن نتيجة للقرارات الدولية. والدور الذي تقوم به الدول المنغمسة في الشأن اليمني حالياً والمعروفة بمجموعة أصدقاء اليمن أو مجموعة الدول الثمان عشرة أو الرباعية، جاء بناءً على رغبة يمنية واضحة وصريحة بموجب البند عاشراً من المبادرة الخليجية والبند (28) من الآلية التنفيذية لها.
4ـــ كل الضجة التي تثار حول الفصل السابع والتباكي على السيادة المهدورة وفقدان الأهلية،…إلخ يبدو أن هدفها فقط رفع العقوبات عن أفراد معيّنين، بل ربما عن شخص واحد لا أكثر ولا أقل، حنينا إلى الماضي.
5ـــ قد يقول قائل: التدخل في الشأن اليمني ظاهر للعيان، وهناك انتهاك للسيادة..
ذلك صحيح دون أدنى شك. ولكن سبب ذلك ليس قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع بل شيء آخر، هو عجز أو تقاعس السلطة الشرعية المهترئة عن أداء مهامها وتخليها عن دورها، ما ترك فراغاً سمح لقوى وجهات داخلية وخارجية أن تملأ هذا الفراغ وفقا للقانون الفيزيائي الطبيعي. والحل ليس بصب اللعنات على قرارات مجلس الأمن، بل بتحمل السلطة الشرعية لمسؤولياتها وأداء واجباتها وبسط سيطرتها على كامل الدولة وفرض سيادتها..
د عبدالرشيد عبدالحافظ