قضية شعب الجنوب ليست قابلة للتسويف والخداع السياسي.

 

   بقلم/ د. حسين مثنى العاقل
  منذ أن كلف المبعوث الدبلوماسي ( جمال بنعمر Jamal Benomer) مندوباً سياسياً في اليمن في إبريل 2011م، تحت مسمى (المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن)، وقوى الحراك السلمي للتحرير واستقلال واستعادة الدولة الجنوبية، على يقين بأن اختياره في هذه المهمة قد كان اختياراً مقصوداً وتم بعناية ؟!.. ليس لأنه سياسي ودبلوماسي عربي من المملكة المغربية التي لها مشكلات سياسية وحدودية مع دول الجوار وبخاصة مع صحراء البوليساريو التي ما زالت قائمة حتى اليوم، وليس أيضا لأن بن عمر ينتمي سياسياً ودبلوماسياً إلى مدرسة الأخضر الإبراهيمي صاحب الموقف المتخاذل والمنحاز في تواطأه المخجل مع نظام صنعاء(الجمهورية العربية اليمنية) في حرب احتلال أراضي الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) فحسب: وإنما تم تكليفه في هذه المهمة لما يتحلى به هذا الرجل من صفات نفسية هادئة وقدرات مدربة على الصبر والمرونة في مواجهة المشكلات مهما كانت تعقيداتها ومخاطر نتائجها.

   لذلك كنا ندرك في الحراك السلمي الجنوبي بأن المبعوث الدولي مكلف في متابعة تنفيذ بنود المبادرة الخليجية التي وقعت عليها مراكز النفوذ القبلي المتناحرة في العاصمة صنعاء، والتي من المعلوم أن المبادرة لا تعني شعب الجنوب وقضيته السياسية المشروعة، باعتبار قضية الجنوب قد غيبت وتم تجاهلها عمداً من تلك المبادة السياسية.. فضلا عن عدم وجود من يمثل شعب الجنوب في التوقيع عليها في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية في 23 نوفمبر 2011م ، حيث كانت قوى الحراك السلمي ومكوناته السياسية تدرك بأن الممثل الشخصي للأمين العام له مهمة محددة ومحصورة في العاصمة صنعاء، ومن الصعب عليه الخروج من هذه الدائرة بالنزول إلى عدن لمعرفة الحقيقة من مصادرها الرسمية والشعبية، والدليل على ذلك الهبوط الاضطراري في صالة مطار عدن الدولي بتاريخ 22 ديسمبر 2011م، والعودة سريعاً إلى بؤرة الصراع اليمني صنعاء !!؟؟.

وانطلاقا من هذه الحقائق الماثلة فالمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة (جمال بنعمر Jamal Benomar (كما يبدو) ليس من مهامه المكلف بها أن يضع الحلول السياسية والموضوعية للمشكلة المعقدة في اليمن، بقدر ما هو معني بالغوص في أتون مركز بؤرتها الملتهبة لمحاولة نزع فتيل اشتعالها وتلمس مكامن الأسباب والدوافع التي اوصلت الأوضاع باليمن إلى هذه الحالة التناحرية بين مراكز القوى القبلية والعسكرية والدينية المتطرفة ورصدها وتدوينها في تقارير بحسب البرامج والخطط المرحلية طويلة الأمد لترحيل وتفادي حتمية انفجارها، فضلا عن متابعته مستوى توافق القوى المتصارعة في صنعاء على التطبيق الفعلي لنصوص وبنود اتفاقية دول مجلس الخليج العربي .

ومن واقع الحال: فأن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لا يمكن له أن يستمر في تجاهل جوهر المشكلة ودوافعها طالما وجذور أسبابها ترجع إلى كارثة الحرب الدموية وما ترتب عنها من نهب وتدمير واستباحة للأرض والعرض وانتهاك الحقوق وفتاوى دينية تكفيرية لشعب الجنوب، ومن ممارسات تعسفية وتصرفات استعلائية، ومن إقصاء وتهمبش وفصل وطرد واستيلاء وبسط بالقوة العسكرية على الأراضي السكنية والسياحية والممتلكات الاقتصادية والمنشأة الحكومية والخاصة بطرق عدوانية وانتقامية. كل هذه الأسباب وغيرها، يفترض أن تجعل المبعوث الدولي خلال فترة تعامله ومعايشته مع مشاكل اليمن وتفاقم أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على قناعة تامة بأن إمكانية حلها ووضع المعالجات الحاسمة لها مرهون أساساً بضرورة الاستجابة لمطالب شعب الجنوب وأهداف قضيته العادلة.. والمتمثلة بتحرير أرض الجنوب (ج. ي. د. ش) من الاحتلال اليمن المهيمن والمستبد للحقوق السياسية والإنسانية لأبناء الجنوب، وحقهم الشرعي والقانوني في استعادة دولتهم المستقلة وسيادتهم الكاملة على مساحتها البرية والبحرية والبالغة بأكثر من 338.000 كيلو متراً مربعاً.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يفترض أن يكون المبعوث الدولي على بينة بأن أية اجتهادات لحل ومعالجة مشكلات اليمن القائمة لا يمكن لها أبدا أن تنجح بعمليات التسويف والمماطلة وتجاهل قضية شعب الجنوب، أو بمحاولات خلط الأوراق السياسية أو بواسطة أساليب المكر والخداع التي خدع وغدر بها شعب الجنوب في كارثة الوحدة الدموية 1990م، وأن الهروب من الاعتراف الرسمي والعلني بمطالب الحراك السلمي وقواه الحية المناضلة بعزيمة وإصرار في الساحات والميادين بالعاصمة عدن وعواصم المحافظات وفي مختلف المناطق من أرض الجنوب الطبيعية والسياسية، وإذا توافرت النوايا الحسنة والمخلصة لدى الأطراف السياسية الإقليمية والدولية وبخاصة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس تعاون الخليج العربي وهيئة الأمم المتحدة لمعالجة مشاكل اليمن الحالية، فمن البديهي عليهم أن يفتحوا قنوات التواصل والتفاوض المباشر مع الرئيس الشرعي لشعب الجنوب المناضل (علي سالم البيض) باعتباره المسئول الأول المتبني قضية شعب الجنوب.

وفي حالة استمرار أساليب التسويف والخداع السياسي لقضية شعب الجنوب، فمن المتوقع والمؤكد أيضاً.. بأن الأوضاع المتأزمة في اليمن ستزداد حدتها ومخاطر نتائج انفجارها لا محالة، وحدوث ما لا يحمد عقباه يا صديقنا العزيز (Jamal Benomer … وحينها لن تجدي المساعي الحميدة والتدخل العسكري للأمم المتحدة إذا تجاوز شعب الجنوب حدود الصبر والاحتمال لجبروت الظلم والاستبداد اليمني، وعليكم أن تعلموا أنه من المستحيل معالجة مشاكل قبائل اليمن وشعبها على حساب كرامة وسيادة شعب الجنوب التواق للحرية والخلاص العاجل من جور الاحتلال اليمني.

نأمل أن لا يطول بشعبنا الانتظار وتحبط ثقته فيكم. وتكونوا لا سمح الله سبباً باضطراب الأمن والاستقرار في المنطقة الحيوية والاستراتيجية في جنوب شبه الجزيرة العربية..
ودمتم مع التحية والسلام.
.