أولى حوادث اختراق القوارب، وربما الطائرات!

 

محمد أنس طويلة

نجحت مجموعة من الباحثين في جامعة تكساس في اختراق نظام القيادة والتحكم المتطور لأحد القوارب الفارهة، مما مكنهم من توجيه القارب الذي يبلغ طوله 64 مترا ويتجاوز ثمنه 80 مليون دولار، وحرفه عن مساره وتحريكه يمنة ويسرة كيفما شاؤوا.

 

ويقول تود هامفريز رئيس الفريق إنه يمكن بفضل هذا الاختراق التحكم المطلق بنظام توجيه القارب وتغيير وجهته، بل يمكن أيضا قيادته لكي يرتطم بقارب آخر. والجدير بالذكر أن نظام مراقبة القارب لم يظهر أي تغيير في مسار القارب ووجهته أثناء هذا الاختراق، ولم يطلق أي إنذار لتحذير طاقم القيادة.

واستخدم فريق الباحثين لخداع أنظمة القارب حاسوبا محمولا مع جهاز صغير لمحاكاة إشارات نظام تحديد الموقع الجغرافي “GPS” لم تتجاوز كلفته أكثر من 3000 دولار. وتعتمد الحيلة المستخدمة في هذا الاختراق على إرسال إشارات وهمية إلى هوائيات نظام تحديد الموقع الجغرافي للقارب لحرفه عن مساره.


الإشارات الوهمية تعمل على إيهام نظام توجيه القارب بأنه في موقع مختلف عن موقعه الفعلي، مما سيدفعه إلى تغيير وجهته ظنا منه أنه سيعود بذلك إلى مساره المعتاد

إشارات وهمية
وتعمل هذه الإشارات الوهمية على إيهام نظام توجيه القارب بأنه في موقع مختلف عن موقعه الفعلي، مما سيدفعه إلى تغيير وجهته ظنا منه أنه سيعود بذلك إلى مساره المعتاد، لكنه سيكون فعليا متجها صوب الوجهة التي حددها مرسل الإشارات الوهمية. ويمكن للباحثين أيضا تصميم الإشارات الوهمية المرسلة لكي تعمل على حرف القارب عن مساره ببطء شديد بشكل يصعب فيه حتى على البوصلة المغناطيسية التقليدية اكتشاف الحيلة.

ويظهر هذا الاختراق ثغرة كبيرة في أنظمة تحديد الموقع الجغرافي المستخدمة لأغراض شتى، منها على سبيل المثال توجيه السفن والقوارب، وتحديد مسار الطائرات، وقيادة المركبات والشاحنات، وحتى توجيه الصواريخ. وفي ظل إمكانية استغلال هذه الثغرة من قبل المهاجمين وبإمكانيات بسيطة للغاية، فإن عواقب عدم معالجتها قد تكون كارثية.

إذ يمكن للمهاجمين مثلا استغلال هذه الحيلة لإغلاق مرفأ بأكمله من خلال التشويش على إشارات تحديد الموقع المستخدمة لتوجيه السفن إلى هذا المرفأ، أو ربما التخطيط لحادثة اصطدام بين ناقلتي نفط في عرض المحيط دون أن يلحظ طواقم هاتين الناقلتين انحرافهما عن مسارهما الأصلي قبل فوات الأوان. وهناك أيضا احتمال استخدام هذه الحيلة لتسهيل عمليات اختطاف وقرصنة السفن والمراكب عبر توجيهها إلى مكان يسيطر عليه القراصنة ليصبح هجومهم أسهل من اختطاف السفينة وهي في عرض البحر.
تحد خطير
لكن التحدي الأكبر الذي تبرزه هذه الثغرة يتمثل في اعتماد الطائرات المدنية على نفس التقنية لتحديد مسارها، مما يجعلها عرضة لاختراقات قد تتسبب في حرفها عن مسارها وتوجيهها كيفما شاء المهاجم دون أن يلحظ طاقم القيادة أن طائرتهم وقعت ضحية لهذه الاختراقات.

الطائرات المدنية قد تكون عرضة لاختراقات قد تتسبب في حرفها عن مسارها وتوجيهها (الأوروبية)
ولمعالجة هذه الثغرة التي قد تتيح للمهاجمين السيطرة على أنظمة توجيه المركبات والسفن والطائرات وغيرها يمكن اعتماد تقنيات التشفير التي تستخدمها تطبيقات تحديد الموقع الجغرافي العسكرية التي لا يمكن خداعها بسهولة من خلال إرسال إشارات وهمية مصطنعة، وإدخالها إلى التطبيقات المدنية.

لكن التحدي الذي يواجه هذا الحل يتمثل في ازدياد تكاليف التجهيزات المستخدمة في تحديد الموقع الجغرافي التي ستضطر حينها إلى فك تشفير الإشارات الواردة، بالإضافة إلى تزايد الضغط على شبكات الأقمار الصناعية التي تقوم بتوفير إشارات تحديد الموقع الجغرافي.

ولعل الحل الأمثل يكمن في إيجاد التوازن الأمثل بين مدى جدية التهديدات المحدقة والعواقب التي قد تترتب في حال وقوعها. إذ قد لا تكون هذه الإجراءات ضرورية مثلا في التقنيات الاستهلاكية كتطبيقات تحديد الموقع في الهواتف الذكية، لكنها قد تدرأ كوارث كثيرة في تطبيقات أخرى كقيادة وتحديد مواقع السفن أو الطائرات.
——————————–
* باحث أكاديمي وخبير في مجال أمن ونظم المعلومات

المصدر:الجزيرة