ديربي إيطاليا… أكثر من مباراة قمّة

حتى تاريخ 26 نيسان/آبريل 1998, كان لقاء يوفنتوس وإنتر ميلان مجرّد مباراة قمّة, ديربي كبير يسمّى بديربي إيطاليا نظراً لأهمية المدينتين اللتين يمثلانهما (تورينو وميلانو), بالإضافة إلى قوّة الفريقين في تلك الفترة. لكن منذ ذلك اللقاء وبعد ما تلاه من أحداث وصولاً إلى الكاتشوبولي, أخذ ديربي إيطاليا منحى جديداً ومعايير جديدة, واختلفت عناوينه.

سُمّي لقاء يوفنتوس وإنتر بديربي إيطاليا – اللقب الذي أطلقه عليه الصحفي الإيطالي الشهير جياني بريرا عام 1967, بسبب قوّة الفريقين وما يمثلانه حينها, حيث كان يوفنتوس وإنتر أوّل وثاني الدوري الإيطالي على التوالي من حيث عدد البطولات والأهداف, الأمر الذي لم يتغيّر حتى اللحظة من جهة يوفنتوس, لكنه تغيّر قليلاً من جهة إنتر, لأن فريق مدينة ميلانو الآخر آي سي ميلان، أصبح يمتلك نفس عدد الألقاب المحلّية مع إنتر, حتى أن تسمية ديربي إيطاليا أصبحت تُطلق على مباراة يوفنتوس وآي سي ميلان في معظم الأحيان.

أهم محطّات الـ”ديربي”

لعلّ المحطّة الأولى التي أشعلت شرارة هذا النزاع التاريخي بين الفريقين تعود لموسم 1960-1961, حيث حدث غزو للملعب من قبل الجماهير خلال مباراة بين إنتر ويوفي, كان نتيجتها أن منح الاتّحاد المباراة لإنتر, قبل أن يتم الاعتراض من قبل يوفنتوس وطلب إعادة المباراة, الأمر الذي حدث بالفعل وتمّت إعادة تلك المباراة التي انتهت بفوزٍ ساحق وتاريخي ليوفنتوس على إنتر بتسعة أهداف لهدف, سجّل ستةً منها الأرجنتيني عمر سيفوري, الذي فاز لاحقاً بجائزة الكرة الذهبية عن ذلك العام.

أما الحادثة الثانية والأهم, وبسبب حداثة تاريخها، فهي كانت الأكثر حدّة في هذا النزاع, وهي حادثة ركلة الجزاء الشهيرة التي لم يحتسبها الحكم على مدافع يوفنتوس ماركو يوليانو ضدّ البرازيلي رونالدو, والتي تمّ فيها احتساب ركلة جزاء أخرى ليوفنتوس سدّدها أليساندرو دل بييرو وأضاعها، وفاز فيها يوفنتوس بهدف نظيف جاء عن طريق دل بييرو نفسه.

المحطّة الأبرز في الصراع.. عام 2006

ممّا لا شكّ فيه أن قضية الفضيحة الشهيرة التي هزّت الدوري الإيطالي وعرش إيطاليا كلّه في عالم كرة القدم كانت هي الحدث الأهم والأبرز والأكثر فصلاً في قصة الصراع بين إنتر ويوفي, الكالتشوبولي..

بالنسبة لجمهور إنتر, الذي يُعتَبر المستفيد الوحيد بكلّ معنى الكلمة من تلك الفضيحة, حيث كان الوحيد الذي لم يتم إدانته أو معاقبته أو خصم أيٍّ من نقاطه, في الوقت الذي طالت الفضيحة أغلب الأندية حينها على رأسها يوفنتوس طبعاً!؛ كانت هذه القضية عدالة من السماء ومكافأة من القضاء, الذي بعد أن خصم لقب 2004-2005 من يوفنتوس, قام بـ”وَهب” لقب 2005-2006 لإنتر. الأمر الذي يتباهى به إنتر على اعتبار أنه استحقّ ذلك اللقب, إن لم يكن في ذلك الموسم, ففي المواسم التي سبقت.

من جهته فإن يوفنتوس, وبعدما لم يتمكّن القضاء من إدانته أو إثبات التهم التي وجهت إليه وبناءً عليها تمّت معاقبته, بدفع الغرامات المالية الهائلة, وخصم النقاط, والإنزال إلى الدرجة الثانية, وحرمانه من اللعب في دوري الأبطال في الموسم التالي مع العلم أن الاتّحاد الأوروبي ليس مرتبطاً بالاتّحادات المحلّية وقضاياها وقراراتها!؛ يعتبر أن هذه القضية بالنسبة له قضية حياة أو موت, ولن يتخلّى عن ملاحقتها مهما كلّف الأمر.

وفي أحد أهم دفاعاته عن موقفه, يذكر يوفنتوس أن عام 1998 لم يكن يحقّ لإنتر أن يلعب في الدرجة الأولى أساساً, حيث كان الأخير قد قام بتزوير جواز سفر اللاعب ألفارو ريكوبا, الأمر الذي كان يستحق إنزال عقاب شديد بإنتر, لكن الاتّحاد قام بمعاقبة اللاعب وتغريم الفريق مادياً فقط. كما حدث لاحقاً بعد أن تمّت إدانة إنتر وتورّطه في فضيحة الكالتشوبولي, لكن لم تتمّ محاكمته بسبب ما يسمى بقانون التقادم.

ديربي التاريخ والغضب و”الانتقام”

يسجّل التاريخ تفوّق يوفنتوس على إنتر في لقاءات الديربي. تواجه الفريقان في 43 مرّة, كان الفوز من نصيب يوفنتوس في 18 مناسبة, مقابل 11 لإنتر, وتعادلا في 14 مباراة. سجّل يوفنتوس في مرمى إنتر 53 هدفاً, مقابل 42 لإنتر.
وهذه النسخة من الديربي, ستحمل نفس العناوين السابقة مع إضافة عناوين جديدة أهمها, يوفنتوس في حملة دفاعه عن لقبه, والأهم عن سمعته أمام غريمه التقليدي والعدو الألدّ, الذي دخل التاريخ الموسم الماضي بتسجيله الفوز الأوّل على ملعب يوفنتوس الجديد, وكسر الرقم القياسي ليوفنتوس “أنطونيو كونتي” بعد 50 مباراة دون أيّة هزيمة.

المواجهة الأبرز هي تلك التي ستجري بين المدرّبَين, مدرّب يوفنتوس, أنطونيو كونتي بشخصيته القوية والكاريزما الخاصة التي يمتلكها, التي لا تقل عن كاريزما والتر ماتزاري هو الآخر, مدرّب نابولي السابق, الذي واجه كونتي في مناسباتٍ قليلة, كانت الغلبة فيها للأخير.

كونتي بطريقة 3-5-2, التي يُقال بالمناسبة إن ماتزاري هو أوّل من جرّبها في الكالتشو, ليأخذها منه كونتي بعدها ويعتمدها، وهي ترتكز على حيازة الكرة وتوغّل لاعبي الوسط, وطوّرها, لتصبح أسلوباً يُعتمد لعددٍ من المدرّبين على رأسهم تشيزاري برانديلي مع المنتخب الإيطالي في كثير من المرات.

ماتزاري من جانبه, سيعتمد أسلوب 3-5-1-1, تقريباً نفس أسلوب كونتي لكن من المتوقّع أن يلعب بحذرٍ ودفاعٍ أكثر, مقابل حكمة وهجوم أكبر من جهة كونتي.

إنتر, المرتاح من الالتزامات الأوروبية هذا الموسم, يعاني من التزامات لاعبيه مع منتخباتهم, بما أن كلّ لاعبيه تقريباً ليسوا إيطاليين, وبما أن أغلبهم نجوم وأعمدة أساسية لمنتخبات بلادهم, خاصة بعد عودتهم إلى إيطاليا إثر خوضهم مباريات تصفيات كأس العالم 2014 في البرازيل. إضافة إلى الشكوك حول مشاركة عدد من اللاعبين الأساسيين, ووجود الأرجنتيني دييغو ميليتو على دكّة البدلاء رغم تعافيه، إذ إنه لم يلعب أية مباراة حقيقية منذ سبعة أشهر.

ومن المتوقّع أن تكون تشكيلة والتر ماتزاري على الشكل التالي: أندانوفيتش لحراسة المرمى، جوان، رانوكيا، كامبانيارو (لخط الدفاع)، ناغاتومو، كامبياسو، كوفاتشيتش، غوارين، جوناثان (لخط الوسط)، ألفاريز وبالاسيو (لخط الهجوم).

من جهته, يعاني يوفنتوس من غياب عدد كبير من لاعبيه لتعرّضهم للإصابة، إذ قد يغيب آندريا بارزاليي المدافع المفضل لدى كونتي, وأرتورو فيدال, بالإضافة إلى مارتين كاسيريس، الذي أجرى عملية جراحية, وميركو فوشينيتش، عدا عن خوض حوالي نصف تشكيلته الأساسية لمباراتين مع المنتخب الإيطالي ضمن التصفيات نفسها في أقل من أسبوع. هذا ما قد يعطي فرصة إمّا لفابيو كوالياريلا للبدء كأساسي, أو للإسباني الجديد فرناندو ليورينتي ليلعب مباراته الرسمية الأولى مع السيدة العجوز.

ومن المتوقّع أن تأتي تشكيلة اليوفي على هذا الشكل: بوفون لحراسة المرمى، كييليني، بونوتشي، بارزاليي (أوغبونا)، أسامواه، بوغبا، بيرلو، (فيدال)، ليكتشتاينر (لخط الوسط)، تيفيز، وكوالياريلا (لخط الهجوم).

هو لقاء في غاية الأهمية, هي أكثر من مباراة كرة قدم بالنسبة للفريقين وللجماهير على حدّ سواء, حتى بالنسبة للمدرّبين تحديداً كونتي, الذي تأتي هذه المباراة قبل مباراة فريقه الأولى في دوري الأبطال هذا الموسم بثلاثة أيام فقط, لكنّه على استعدادٍ تام أن يستعمل كامل قوّته في هذه المباراة تماماً كما فعل الموسم الماضي في ديربي إيطاليا قبيل لقاء بايرن ميونخ الحاسم في دوري الأبطال, الأمر الذي أثّر سلبياً على أداء يوفنتوس خاصة أمام فريق قوي مثل بايرن, الذي فاز بالكأس فيما بعد! ومما لا شكّ فيه, أنه لو كان لدى إنتر مباراة مهمّة بعد مباراة يوفنتوس, كان والتر ماتزاري ليفعل الأمر نفسه.. فهي ليست أيّة مباراة, هي “ديربي إيطاليا”.

المصدر: الجزيرة الرياضية