لماذا اندحر الإسلاميون في الانتخابات العامة المغربية؟

لماذا اندحر الإسلاميون في الانتخابات العامة المغربية؟

(شبكة الطيف) وكالات

كشفت نتائج الانتخابات العامة التي شهدها المغرب، يوم الثامن من سبتمبر (أيلول)، اندحاراً كبيراً لحزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، الذي حل ثامناً بـ12 مقعداً في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بعد أن حل في المرتبة الأولى في انتخابات عامي 2011 بـ107 مقاعد، و2016 بـ125 مقعداً، بينما تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار نتائج الانتخابات بحصوله على 102 مقعد، يليه حزب الأصالة والمعاصرة بـ87 مقعداً.

واعتبر العديد من المراقبين أن هذه الانتخابات شهدت تصويتاً عقابياً ضد حزب العدالة والتنمية، بعد أن توالت الانتقادات الموجهة إليه بسبب سوء تدبير السياسات العامة، وبالخصوص، فشله في تدبير جائحة كورونا التي خلفت تداعيات مقلقة جداً على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وذلك بعد إغلاق البلاد أشهراً عدة.

العودة إلى نقطة الصفر

يرى محللون أن دلالات نتائج الانتخابات الأخيرة تشير إلى أن الحزب الإسلامي يعود إلى نقطة الصفر بعد قضائه عشر سنوات على رأس الحكومة، بسبب أخطاء تنظيمية وتدبيرية قاتلة، وأنها تؤكد غياب الإسلاميين عن السلطة لسنوات عديدة.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية المغربي، محمد الزهراوي، أنه لم يكن من المتوقع أو في الحسبان أن يندحر حزب العدالة والتنمية انتخابياً ومؤسساتياً على المستويين الوطني والمحلي، مشيراً إلى أنه من سخرية القدر أن يعود الحزب إلى نقطة الصفر وعصر البدايات الأولى التي كان يشقّ فيها طريقه للبحث عن الشرعية لا غير، منبهاً إلى تساؤلات عدة لا يمكن القفز فوقها، بخصوص هذه الانتكاسة المدوية لهذا الحزب الإسلامي، لا سيما أن عشر سنوات من تصدر المشهد السياسي لا يمكن أن تبرر بأي حال من الأحوال هذه النتائج التي تقترب من حيث التوصيف إلى “أفول” أو “نهاية تجربة” الإسلاميين المشاركين في اللعبة السياسية في المغرب بطريقة دراماتيكية.

وفي بيانها عقب ظهور نتائج الانتخابات، أشارت الأمانة العامة للحزب إلى أن “العدالة والتنمية”، “سيواصل نضاله خدمة للوطن والمواطنين من موقع المعارضة الذي تعتبره الموقع الطبيعي خلال المرحلة”، وبذلك يكون الحزب قد حدد موقعه للسنوات الخمس المقبلة، بعد أن تبخرت كل آماله في مواصلة الوجود ضمن الائتلاف الحكومي.

أسباب التراجع

وفي تحليله لأسباب اندحار حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة الأخيرة، يرجع الباحث في العلوم السياسية ذلك إلى اجتماع أسباب عدة، “أولها عدم تصويت أنصار ومنتسبي الحزب الإسلامي، في إشارة واضحة إلى أن الحزب الإسلامي خسر كذلك كتلته الناخبة، ولم يستطع الحصول على الأصوات المرتبطة بشبكته العلائقية والزبونية التي استطاع أن يشكلها طيلة العقدين الماضيين، بالإضافة ربما إلى مقاطعة جزء مهم من جماعة العدل والإحسان (الإسلامية المحظورة) وعدم تصويتها لصالحه”. مضيفاً أن السبب الثاني يتعلق بحياد أو فشل حركة الإصلاح والتوحيد في حشد الدعم والتعبئة للحزب خلال هذه الانتخابات، إذ تعتبر الحركة الجناح الدعوي و”الدينامو” (المحرك) الذي يعتمده الحزب في الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما يفسر هزيمته في بعض الدوائر والمدن التي تمتلك فيها الحركة قواعد انتخابية قوية.

ولفت إلى أنه يمكن تفسير فشل الحركة في حشد الدعم أو حيادها، بالتوقيع على إقامة العلاقات مع إسرائيل، إذ تعتبر هذه الحركة دعوية وترتكز في اشتغالها على الدعائم العقائدية والمذهبية في الاستقطاب والتوسع. أما بخصوص السبب الثالث، فيشير الزهراوي إلى أنه يرتبط بالسياسات والخيارات اللا شعبية التي أنتجها الحزب الإسلامي منذ ترؤسه الحكومة، وغدت الوعود والبرامج الانتخابية، وحتى الجوانب القيمية، مجرد شعارات، وبدا الحزب الإسلامي خلال السنوات العشر الماضية منتشياً بالصدارة وعينه على دفة التسيير وما تتيحه من امتيازات رمزية ومادية، كما أظهر بطريقة لم تكن محسوبة، استعداده إلى أبعد الحدود، لتبني التوجهات الليبرالية في شقيها الاقتصادي والرأسمالي، في وقت لم يكن أي حزب قادراً على اعتمادها أو في الأقل تبريرها والدفاع عنها، الأمر الذي أثقل كاهل الطبقة الوسطى التي تشكل “قطب الرحى” في المعادلة الانتخابية، وهو ما جعلها ربما تصوت بطريقة انتقامية أو في الأقل جزء منها فضل عدم التصويت.

ويشير الباحث محمد الزهراوي أيضاً إلى أن السبب الرابع يرجع إلى الضعف التواصلي خلال الحملة الانتخابية، إذ ظهر جلياً أن رئيس الحزب، سعد الدين العثماني، يفتقر إلى المقومات والأدوات التواصلية وفن الخطابة، مقارنة مع قدرة سلفه عبد الإله بنكيران وخطابه الشعبوي على التعبئة والحشد وتبرير السياسات والاختيارات. أما السبب الخامس فيعود إلى السياقين الإقليمي والدولي، “إذ من خلال استحضار التجارب التي مرت بها بعض الدول التي عرفت مشاركة وصعود الإسلاميين خلال الحراك الشعبي الذي شهده العالم العربي أواخر سنة 2010، يلاحظ أنها أفضت إلى تراجع شعبية هذه التيارات، لا سيما أن الخطاب الأخلاقي والقيمي والطوباوي، الذي كانت ترفعه، فقد بريقه، بخاصة أن الجماهير لها انتظارات اجتماعية واقتصادية وحقوقية أبعد ما تكون عما هو أخلاقي أو هوياتي”.

تبرير الهزيمة

في هذا الوقت، اعتبر حزب العدالة والتنمية أن كل الظروف لعبت ضده كتعديل القوانين الانتخابية، وبالخصوص القاسم الانتخابي، الذي اعتبر أن الغاية من سنه قطع الطريق أمامه للحصول على عدد مهم من المقاعد بالبرلمان. وقالت الأمانة العامة للحزب الإسلامي، “بالنظر لحجم الخروقات التي عرفتها هذه الاستحقاقات، سواء في مرحلة الإعداد لها من خلال إدخال تعديلات في القوانين الانتخابية، مسّت بجوهر الاختيار الديمقراطي، إضافة إلى عمليات الترحال السياسي، أو ممارسة الضغط على مرشحي الحزب من قبل بعض رجال السلطة وبعض المنافسين، من أجل ثنيهم عن الترشح، وكذلك، من خلال الاستخدام المكثف للأموال”، مشيرة إلى أن “الأمر توّج بالتعسف، بالامتناع عن تسليم المحاضر لممثلي الحزب، في عدد كبير من مكاتب الاقتراع، وطرد بعضهم الآخر، علماً أن المحاضر تعد الوسيلة الوحيدة التي تعكس حقيقة النتائج المحصّل عليها”.

ربّ ضارة نافعة

وفي تحليله لادعاءات الحزب الإسلامي بخصوص أسباب هزيمته، اعتبر المحلل السياسي والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، بلال التليدي، أن التدبير الحكومي الذي تزعمه “العدالة والتنمية” خلال عقد من الزمن استنزف الحزب، وخلق حالة غضب شعبية، معتبراً أن الأمر يفترض اختبار كل هذه الترجيحات، بدءاً من فرضية استهداف الحزب وإزاحته، إذ إن هذه الفرضية، التي تسعى قيادة الحزب الحالية إلى تعزيزها، ربما خشية من ردود فعل داخل الحزب اتجاهها.

ويشير المحلل السياسي إلى ضعف تلك الفرضية من جهتين، الأولى، أن قيادة الحزب استثمرت طويلاً في نقد القاسم الانتخابي، لكن المعطيات الانتخابية أثبتت أن هذا القاسم كان حبل النجاة للحزب لتحصيل المقاعد القليلة التي نالها (13 مقعداً)، والثانية، أن الدفع بقضية المال الحرام، وبإسناد الإدارة الترابية لبعض الأحزاب أو غضّ الطرف عن ممارستها، هو دفع ضعيف، فهذه الاعتبارات كانت حاضرة بقوة في انتخابات 2015 و2016، ووقفت الإدارة الترابية بكل ثقلها إلى جانب “الأصالة والمعاصرة”، لكن النتيجة أن الحزب وقتها هزم هذه الأحزاب وهزم القوانين الانتخابية.

ضرورة تحمل المسؤولية

ويدعو بعض زعماء التيار الإسلامي إلى ضرورة اعتماد حزب العدالة والتنمية النقد الذاتي والابتعاد عن تبرير الهزيمة. وأشار القيادي في حركة “التوحيد والإصلاح”، امحمد الهلالي، إلى أن من بين أهم الأسباب الذاتية لتراجع الحزب، “نفسية الهزيمة وفقدان الروح المعنوية وانعدام الطموح وحالة الانقسام في الرأي والتقدير والموقف، والاستفراد بالقرار والاستغناء عن التشاور وتغييب المراجعة والتقييم، والاصطفاف التنظيمي، وهو ما بدأ يتحول أو يكاد إلى انقسام في المشاعر والقلوب وفي الصفوف وتهديد الوحدة”.

وبخصوص الأسباب الموضوعية، يقول الهلالي، “قد يكون للعامل السلطوي والهندسة الانتخابية القبلية والمال الفاسد والإعلام المأجور دور مهم في هذه النتيجة القاسية غير المتوقعة، لكن هذه العوامل لم تكن مجهولة أو غير متوقعة، لكن معالجتها والتقليل من آثارها هو ما أخفقنا فيه”، معتبراً في الوقت نفسه أن “النتائج المعلنة ليست سوى حصيلة (للطريقة المغربية) في إغلاق قوس الحراك الشعبي، ومنهجية سلطوية تنتمي إلى (الاستثناء المغربي) في التعامل مع الإسلاميين في الإدماج والإقصاء معاً”، وتابع أن “هذه طريقة تبقى أقل كلفة من مثيلاتها في المنطقة سواء بالنسبة إلى التماسك المجتمعي أو على مستوى صورة المغرب وإشعاعه، لسهولة تسويق ما جرى على أنه فرصة ممكنة لإنهاء سطوة الإسلاميين بالصندوق لا بغيره وهو أيضاً شر ينطوي على كثير من الخير إذا وعينا به”.