الولايات المتحدة تعيش أزمة كبرى في الشرق الأوسط

(شبكة الطيف) نيويورك

شهد العام الماضي تصاعد التوترات في منطقتين تقعان في قلب المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وهما أوروبا وشرق آسيا. لكن يبدو أن الأزمة الأكبر التي ستواجهها خلال العام الحالي ستظهر في منطقة تفضل واشنطن تجاهلها وهي الشرق الأوسط.

ومع اقتراب إيران من الحصول على القنبلة النووية، قد تتسارع وتيرة المواجهة النووية البطيئة حاليا، في الوقت الذي جعلت فيه الحرب الأوكرانية حل هذه الأزمة الشرق أوسطية أصعب.

وأشار المحلل الأميركي هال براندز، أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، إلى أن الرئيس الأميركي جو بادين كان يسعى في البداية لتخفيف التوتر مع روسيا وإيران حتى تتمكن الولايات المتحدة من التركيز على الصين.

وفي 2021 قال إنه يعمل على إنشاء علاقات “مستقرة ويمكن التنبؤ بتطوراتها” مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقال إنه يسعى للتوصل إلى اتفاق نووي “أطول مدى وأقوى” من الاتفاق النووي الإيراني الحالي المعروف باسم “خطة العمل المشتركة الشاملة”. ولكن الأمور مع موسكو لم تمض كما أراد بايدن وكذلك الأمور مع طهران.

 

ووصلت إيران إلى تخصيب كمية من اليورانيوم بنسبة 84 في المئة وهو ما يقل قليلا عن النسبة المطلوبة لإنتاج القنبلة النووية وهي 90 في المئة.

ورغم أن أغلب مخزون اليورانيوم لدى إيران مخصب بنسبة 60 في المئة فقط فإن إيران تسابق الزمن ولن تحتاج إلى فترة طويلة حتى تتمكن من امتلاك اليورانيوم اللازم لتصنيع القنبلة إذا أرادت ذلك، وربما خلال أقل من أسبوعين.

ويرى براندز أن إيران قد تحتاج إلى عدة أشهر للحصول على القنبلة، لكنها في الوقت الحالي تتحرك ببطء نحو خط النهاية. ورغم ذلك أصبحت إيران على عتبة نادي الدول النووية، في حين يفتقد بايدن إلى الخيارات الدبلوماسية الفعالة لكبح جماحها.

فمفاوضات إحياء الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لم تصل إلى أي نتيجة حتى الآن. ومن غير المحتمل أن تعود إيران التي أصبحت أكتر تشددا إلى نفس الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة من جانب واحد،إلا إذا حصلت على بعض المكاسب.

وفي المقابل من غير المرجح أن يقبل بايدن باتفاق أضعف -من وجهة النظر الأميركية- من الاتفاق الأصلي. لذلك فإمكانية الوصول إلى حل دبلوماسي تتراجع بشدة.

خيارات المواجهة
يقول بايدن إن الاتفاق النووي “ميت لكننا لن نعلن ذلك” لأن هذا الإعلان سيفتح الباب أمام سؤال أصعب: ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟

وما سيحدث بعد ذلك سيكون إكراها شديدا. فآخر شيء يريده بايدن هو حرب أميركية جديدة في الشرق الأوسط، لذلك ربما سيظل يعتقد أن شن هجمات أميركية على المنشآت النووية الإيرانية خيار أخير.

والاحتمال الأقوى هو قيام الولايات المتحدة وإسرائيل بتشديد الضغط على إيران دون الوصول إلى حالة الحرب، بما يضمن إبطاء سرعة البرنامج النووي الإيراني أو وقفه.

وهناك أيضا العديد من الخيارات الأخرى، منها الهجمات السيبرانية، أو عمليات التخريب السرية ضد البرنامج النووي الإيراني، والقيام بهجمات عسكرية محدودة، وتشديد العقوبات الأميركية ضد إيران، والعمل على إحياء العقوبات الدولية المفروضة عليها والتي تم إلغاؤها عقب التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015.

وتشير الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استعدادهما للقيام بما هو أكبر من ذلك ضد إيران إذا لزم الأمر.

وفي يناير الماضي أجرت القوات الأميركية والإسرائيلية أكبر تدريب عسكري مشترك، تضمن الكثير من المهام التي يمكن تنفيذها ضد البرنامج النووي الإيراني.

ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون، بشكل مستمر، رفضهم القاطع لامتلاك إيران قنبلة نووية. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم لن يقيدوا أيدي إسرائيل في هذه الحالة.

ويقول براندز، الباحث المقيم في معهد أميركان إنتربرايز، “رغم خطورة امتلاك إيران للقنبلة النووية فإن محاولات منعها من الوصول إلى هذا الهدف تنطوي على مخاطر جسيمة”.

وعندما سعت إدارة الرئيس السابق ترامب لخنق إيران اقتصاديا عامي 2018 و2019، أسفر تصاعد المواجهة بين واشنطن وطهران عن قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني بصاروخ أميركي.

وردت إيران بقصف قاعدة عسكرية أميركية في العراق. وبالكاد نجحت الولايات المتحدة في تجنب خسائر أكبر وحرب أوسع.

والدرس المستفاد من تلك الأزمة هو أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي بينما أعداؤها يكثفون الضغط عليها. وربما ترد على ذلك بطرق عنيفة ومثيرة للاضطرابات في الإقليم كله.

وهناك خطر آخر يواجه أي تحرك أميركي ضد إيران وهو أن روسيا، إحدى الدول الموقعة على الاتفاق النووي، لن تساعد في تشديد الضغوط على طهران. ليس هذا فحسب بل ربما ترى موسكو أن تورط واشنطن في حرب ضد إيران سيفيدها لأنه يشتت اهتمام واشنطن بعيدا عن الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا.

تحالف روسي – إيراني

ربما تعمل روسيا على تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك تزويد طهران بمنظومة صواريخ الدفاع الجوي القوية أس – 400 ومقاتلات سوخوي 35 وربما تكنولوجيا الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، كجزء من رد الجميل للدعم الإيراني لها في الحرب ضد أوكرانيا.

ويعتقد محللون عسكريون أن سعي إيران للحصول على أنظمة دفاع جوي جديدة من روسيا، سوف يقلص فرصة تل أبيب لشن هجوم محتمل يستهدف برنامج طهران النووي.

ويقول المحللون إن احتمال حصول إيران على أنظمة الدفاع الجوي أس – 400 الروسية سوف يسرّع اتخاذ إسرائيل قرار شن هجوم على إيران.

ولم تقل روسيا علنا إنها سوف تمد إيران بالأسلحة، ولكن العلاقات بين موسكو وطهران أصبحت أكثر قربا منذ بدْء الغزو الروسي لأوكرانيا.

والتهديدات المباشرة التي تطلق بوتيرة شبه يومية في إسرائيل تجاه إيران هي “مزيج معقد” من الكشف عن النوايا والرسائل الموجهة إلى طهران وواشنطن، خصوصا وأن تل أبيب قصفت بالفعل مواقع نووية في العراق عام 1981 وفي سوريا عام 2007.

وتخشى إسرائيل حصول طهران على هذه الأنظمة، ما سوف يقلل من إمكانية الضربة المحتملة، وعليه قد تقرر التصرف بشكل أسرع.

وكان البيت الأبيض قد أكد في وقت سابق أن التعاون بين موسكو وطهران في المجال الدفاعي قد وصل إلى حد “الشراكة الكاملة”.

وقد تقرر إسرائيل مهاجمة إيران على أمل نجاح تفوقها التكنولوجي في وقف البرنامج النووي الإيراني مع نجاح أنظمتها الدفاعية المضادة للصواريخ وتفوق قوتها العسكرية في احتواء أي عمل انتقامي إيراني. لكن بطريقة أو بأخرى فإن القضية وصلت إلى حافة الهاوية و الموقف على شفا الانفجار.

وستعزز طائرات التزود بالوقود الجديدة، الأميركية الصنع والتي من المقرر أن يتسلمها الإسرائيليون بحلول عام 2025، قدرة تل أبيب على توجيه ضربات بعيدة المدى بشكل كبير.

ويتوقع مراقبون أن تكون الضربة العسكرية موجّهة إلى أحد المواقع ذات العلاقة بمساعي الحصول على سلاح نووي، مثل مواقع التخصيب والمواقع الموجودة تحت الأرض في إيران، وأن تكون باستخدام طائرات أو وسائل أخرى سواء أرضية أو بحرية.