المسألة الجنوبية مركب من ثلاثة عناصر لا تنفك عن بعضها

كثرت الكتابات والتحليلات في شأن مسألتنا الجنوبية العربية، وكل واحد لامسها مشكوراً من عدة وجوه، بالرغم من أنها ذات وجه واحد أوحد بثلاثة أبعاد، هي كما أرى مركب من ثلاثة عناصر: الأرض و الشعب و الهوية. إذا استطعنا فصل عنصر الهيدروجين عن الأكسجين في الماء بمعالجة كيماوية مثلاً، فإننا لا نستطيع فصل الشعب – أي شعب – عن هويته في أرضه، أو فصل الأرض عن الشعب و هويته، كاستحالة فصل الجنين عن الحبل السري الذي يربطه برحم أمه… لأن هذه العناصر لا يمكن فصل أحدها عن الآخر إلا بمشرط احتلال تدميري يدرك تماماً إن وجوده مؤقت، وسيقدم للمحاكمة بالتأكيد.

 

 وبالنتيجة فالمسالة الجنوبية العربية واضحة بذاتها – هي أرض وشعب وهوية لا انفكاك لأحدها عن الآخر. هذا برأيي يولجنا في لوم محاوري حوار بيزنطة من الجنوبيين المنخرطين خرط في ما يسمى بحوار يمني طال أمده حتى نسي الذي كتب ما دار في بدايته ما خرج به في نهايته، بمعنى غاب عنهم فهم المركب والمزيج الجنوبي العربي الثلاثي: الأرض والشعب والهوية!

 

بالله عليكم وعليكنَّ دعونا لو سمحتم وسمحتنَّ أيها الناس والنساء الطيبين الطيبات ننظر لعالم الحيوان بكل أنواعه، سنرى إن قطعان الأسود والضباع والفيله وغيرها عندما تنتقل إلى مكان ما للبحث عن فريسة أو نبتة لتتعيش بها، فإنها تحرص أول ما تحرص على التبوِّل، نعم التبوِّل حول محيط مكانها الجديد في إشارة وعلامة منها لبقية القطعان الحيوانية المغيرة بأن الدخول إلى هذه البقعة من الأرض ممنوع، ومن تجرأ على الدخول تقاومه،

 أما في عالم الإنسان والأقوام والقبائل والشعوب القديمة والحديثة لا تختلف المسألة إلا في أن هذه الشعوب تضع حول أماكن إقامتها واستيطانها للأرض حدوداً، سميت في ما بعد بحدود دولية ممنوع تجاوزها بدون رخصة.

 

كل هذا يدركه كما أثبتت الأيام ساسة الطرف الآخر من مشروع اللا وحدة، فقرروا إن من الأيسر لهم احتلال الجنوب العربي دفعة واحدة بالقوة العسكرية والبشرية الأكبر التي يتمتعون بها مقارنة بالشعب/ الفريسة الجنوبي العربي!

 

كيف عملوا؟ عملوا أول ما عملوا على بسط أياديهم على أرضنا، ثم عملوا لتسفيه وتزوير هوية شعبنا الجنوب العربي الواضحة بذاتها، أي عملوا دفعة واحدة على محاولة تفكيك الأرض من شعبها، وتفكيك الشعب عن هويته ليسهل لهم بعد ذلك القول بالفعل إن شعب الجنوب العربي ذاب في هويتهم وشعبهم وأرضهم، فعمدوا في البداية لتنفيذ هدفهم القاتل هذا إلى ما يسمى بالتخريبات الإدارية على الحدود بين البلدين: ضموا ناحية قعطبة* وتوابعها من العزل إلى مديرية الضالع التي هي إدارياً جزءاً من محافظة لحج الجنوبية العربية، وسموها محافظة الضالع! ضموا مركز مكيراس التابع إدارياً لمديرية لودر بمحافظة أبين إلى لواء البيضاء، وحاولوا ضم مركز بيحان بمحافظة شبوه للواء مأرب، لكنها سلمت وسلمت معها من هذه التخريبات محافظات شبوه وحضرموت والمهرة، بحكم إن ليس لها حدود إلا مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.

 

خلاصة القول: يمكنك تفكيك سيارة أو طائرة أو حتى سفينة فضاء، لكن يصعب عليك تفكيك أواصر وعلاقات شعب يملك كل أرضه ويعي نفسه ويشعر بهويته وانتماءه لكل الجنوب العربي.

 

 كل الجنوب العربي لكل جنوبي، وكل جنوبي للجنوب العربي.

 

* قبل اللا وحدة كانت التقسيمات الإدارية في ج ع ي كما يلي: لواء وناحية وعزلة …إلخ ، وهي تقسيمات أدارية بقيت كما هي منذ العهد التركي في صنعاء، ويقابلها على التوالي في بلادنا محافظة، مديرية، مركز…!

 

أحمد الشمسي