السيد جمال بنعمر .. ضابط إيقاع الفريق الجنوبي

 

تعشّم الشعب الجنوبي خيراً في اختيار الأستاذ جمال بن عمر مبعوثاً للسكرتير العام للأمم المتحدة إلى اليمن ، ليعمل – كإنسان عربي – بكامل جهوده في حل أزمة اليمن ، على اعتبار أن العربي أكثر فهماً لأخيه العربي ، وكان عليه أن يحصر جهوده في مساعدة القوى السياسية في اليمن لانجاز عملية التسوية السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية بشأن اليمن وآليتـها المزمنة ؛ لكنه – للأسف – وقع في المستنقع الذي وقع فيه غيره في فترة سابقة وأزمة سابقة .

لقد بذل الأستاذ جمال بن عمر جهوده لاستدعاء وقيادة فريق جنوبي إلى الحوار اليمني أكثر من المسعى المطلوب منه للتوسط بين طرفي الأزمة اليمنية المتمثلان بالتحالف الوطني (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه) والمجلس الوطني (أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه) ؛ ولكن الأزمة ، في حقيقة الأمر ، قد تجاوزت التكتلات الحزبية بكل خلفياتها القبلية – المذهبية والهيمنة (الاقتصادية والعسكرية) وغيرها من التعقيدات التي واجهها السيد جمال بن عمر .. إنها أزمة التنافس على السلطة بين أمراء نهب ثروات الجنوب ، للتهرب من استحقاقات الثورة الجنوبية .. أزمة التسابق على السيطرة على أرض الجنوب .

والسيد جمال بنعمر يدرك تماماً أنه ليست هناك أي إمكانية لإنجاح وحدة يمنية مبنية على استخدام القوة ، وأنه لم تفشل فقط العديد من الدول العربية في مشاريع وحدوية بين دولتين أو أكثر ، بل شهدت بعضها حروباً عدوانية مدمرة ونزعة احتلال الدولة الكبيرة للأصغر منها . ويدرك أن المشروع القومي العربي في الوحدة العربية قد تم استبداله بمشروع التعاون والتضامن العربي . ولذلك لا تستطيع أي مبادرة مهما كانت عدالتها أن تحيي الوحدة اليمنية التي انتهت فعلياً في الواقع وفي النفوس ، بل تشوهت معانيها أيضاً .

وللأسف أن الأخوة الجنوبيين في السلطة – ومن يرتبط بهم – قد رسخوا لدى السيد بنعمر انطباعاً مفاده أن الوضع في اليمن ، كدولة فاشلة ، يعبر عن تاريخ دولتين لشعب واحد . ولكن ليست المشكلة فقط في جعل تجربة الوحدة اليمنية الفاشلة مصدر إحباط لعلاقات الشعوب العربية مع بعضها ، بل أن الاستمرار في فرض واقع – بوجود جمال بنعمر – لا يرضى به الشعب الجنوبي ، لن يرضى به الشعب العربي مستقبلاً ، وسيذكر التاريخ أن الوسيط الأممي في أزمة اليمن ، الذي لعب دوراً في ظلم الشعب الجنوبي كان عربياً مغربياً .

لقد كنا نتوقع أن الأستاذ جمال بنعمر سيكرس جهوده لإنهاء الأزمة في اليمن على طريق تبني مطلب شعب الجنوب أمام المنظمة الدولية كشعب مظلوم لا يستطيع البقاء خاضعاً لسلطة عصابات في صنعاء عرف عنها بن عمر ما لم يعرفه أي من الشعوب العربية ، حيث كانت لنا ثقة بمهنية المبعوث الأممي ، واكتشافه لمصادر ومنابع الظلم على هذا الشعب الجنوبي العربي ، وخطورة سكوته عن ممارسة ظلم العربي لأخيه العربي ، وباعتبار أن المبعوث الأممي هو أولاً وأخيراً رجلاً عربيا من أصل كريم .

 

د. عبيد البري