اتفاق جنيف بين ايران والدول الكبري والقضية الجنوبية

saaa

بقلم / د. محمد علي السقاف

أدى الإتفاق التمهيدي الذي وقعته إيران صباح يوم الأحد ٢٤ نوفمبر الماضي والدول الكبري +المانيا بشأن البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية جزئياً الى فرض توازنات جديدة وخريطة سياسية جديدة في المنطقة اثار مخاوف المملكة العربية السعودية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي من تداعيات هذا الاتفاق وامكان بروز محور إقليمي مؤثر تركي/ايراني لحل المشاكل الاقليمية في المنطقة على حساب النفوذ السعودي والمصري التي باتت هذه الاخيرة في الوقت الحاضر مشلولة بمشاكلها الداخلية.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف يمكن لنا استثمار التوازنات الجديدة لصالح القضية الجنوبية من منطلق التعامل والتعاون مع الطرف او الاطراف المستعدة في تبني تطلعات شعبنا في استعادة دولته و تأسيس نظامها السياسي الجديد.
وهل التعامل والتعاون مع الاطراف المتنافسة يعني بالضرورة خلق خصومة مع الطرف الاخر ام البحث في إيجاد توازن في العلاقات معهما ؟

●تداعيات إتفاق جنيف على المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي

المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي تؤيد حق إيران في الإستخدام السلمي للطاقة ولكنها تقف ضد إنتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة فهي تتخوف من برامج ايران النووية لانها كما تقول ستؤثر في إستقرار الخليج بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية لدولها
لهذا قبل الإعلام الرسمي للاتفاق انعقدت قمة مفاجأة بالرياض يوم السبت ٢٣ نوفمبر جمعت عاهلي المملكة والكويت وقطر تزامنا مع مفاوضات جنيف بين الدول الكبري وايران وصدرت تصريحات قوية من الامير بندر بن عبد العزيز رئيس المخابرات السعودية امام مبعوِثيين اوروبيين ذكر فيها ان المملكة قد تلغي صفقات أسلحة ونفط بسبب تقارب امريكا وايران وعدم توجيه ضربة للأسد وقام الامير بعد ذلك يزيارة يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ ٣ ديسمبر الي موسكو للالتقاء بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتكمن اهميتها في التوقيت بعد الاتفاق النووي في جنيف فالمملكة كان الاتحاد السوفيتي سابقا من اوائل الدول التي اعترفت بها فبل الدول الغربية ؟

صحيح بسبب الحرب الباردة وانحياز المملكة الي الدول العربية لكنها مع ذلك احتفظت بمستوي علاقات إقتصادية وتجارية معها ومع الصين الشعبية ودول أوروبا الشرقية تصاعدت وتيرتها من عام لآخر كما أوضحت حينها في دراسة لي في احد البنوك السعودية نشرت عربياً في الحياة والشرق الاوسط واجنبيا في مجلة مييد
البريطانية لرجال الاعمال(MEED ) في اواخر عام ١٩٨٩م.

كيف يمكن قراءة تلك الزيارة علي ضوء الدور الروسي في معالجة الازمة السورية وعلاقته الوطيدة بايران اضافة الي النفوذ السعودي وطموحاتها في حل المشاكل الاقليميةفي المنطقة والبحث عن توافق سعودي روسي في تناول الازمة في مصر واليمن ولبنان التي تطوراتها المقلقة تثير خشية المملكة من امتددات هذه الازمات وانتقالها الي مناطق اخرى في المنطقة قد تسبب وفق أحد المحللين الى زعزعة وعدم إستقرار خصوصاً للدول المجاورة لتلك الأزمات، اي للمملكة وبعض دول الخليج
من التداعيات الاخري لاتفاق جنيف وتنذر بمخاطر حقيقية علي دول مجلس التعاون الخليجي. ما حدث في قمة الامن الاقليمي في المنامة للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فيما يسمي (بحوار المنامة) الذي يعقد سنويا حيث فجر وزير الدولة للشئون الخارجية العماني يوسف بن علوي قنبلة عشية القمة الخليجية التي تعقد في الكويت في هذا اليوم الاثنين حين أعلن علناً بأن سلطنة عمان مستعدة “للانسحاب من مجلس التعاون الخليجي” في حال نجاح جهود إنشاء “اتحاد” بين الدول الست وفق التجربة الأوروبية من عملة موحدة الى اخر ذلك.

والجدير بالإشارة اليه هنا ان قوات شاه إيران في السبعينات هي التي حمت سلطنة عمان من جبهة التحرير المناهظة للنظام المدعمة حينها من قبل جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وأعتبر الامير تركي الفيصل آل سعود ان من”حق عمان ان تعبر عن رأيها انما لا أعتقد ان ذلك سيمنع قيام الإتحاد “

●كيفية استثمار تداعيات اتفاقية جنيف لصالح القضية الجنوبية

العلاقات الدولية لا تحكمها العواطف والقناعات الايديولوجية وإنما تقوم على أساس المصالح المتبادلة فلا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة وإنما مصالح دائمة
كما قالها ونستون تشرشل الزعيم البريطاني فالعلاقات المتوترة بين الغرب وايران في طريقها الى التحسن التدريجي.

وكما رأينا اعلاه ان العلاقات المتميزة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية يعاد النظر فيها واتجاه المملكة الى تنويع علاقتها بارساء توافق سعودي روسي جديد يخدم مصالح البلدين حول مختلف قضايا المنطقة، كما رأينا ان مصلحة سلطنة عمان وفق منظورها جعلها مستعدة للانسحاب من مجلس التعاون الخليجي اذا تطلب الأمر ذلك برغم عضويتها فيه منذ مايو ١٩٨١م مثل بقية اشقائها الخمس في دول المجلس.

السؤل بالنسبة لنا كجنوب اين ومع من تكمن مصلحتنا؟ يصعب الاجابة علي هذا التساؤل المحوري، ما يمكن قوله وربما لحسن الحظ ان القيادات الجنوبية البارزة موزعة بين قيادات لها علاقات وطيدة بالمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج وقيادات اخرى يقال أن لها علاقات بايران وحلفائها في المنطقة سواء كان ذلك
صحيحاً ام مبالغ فيه وعادة ينفي هذا الطرف وجود هذه العلاقة مع ايران.

والان مع بداية تحسن علاقة الغرب مع ايران ولم تعد بعبعا مخيفا. هل هذه القيادات ستجهر بعلاقتها بايران لمصلحة القضية الجنوبية ام ستستمر في سياسة النفي بوجود تلك العلاقة ان كانت صحيحة ؟
لا اعرف اذا كان الطاقم العامل مع الطرف الذي يشاع عنه دائما ان له علاقة بايران قد فطن الى التحولات التي شهدتها ايران بعد انتخاب الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني منذ شهر اغسطس ٢٠١٣م والتوجه الجديد في سياسته في المنطقة مدعوما من الولي الفقيه في الوقت الحاضر تمخض عنه اتفاق جنيف.

هل جرت محاولة معهم لمعرفة امكانية حصولهم على دعما نوعي في الأمم المتحدة لصالح القضية الجنوبية ام ان الاخوة ليسوا على مستوي الحدث والمقدرة في استغلال رياح التغيير في ايران والمنطقة.

ومن الجانب الآخر بالنسبة للقيادات ذات العلاقة الحميمة بالمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج هل هم بدورهم يستطيعون استغلال الصدمة التي حلت بهم نتيجة التوازنات الجديدة وتغير الخريطة السياسية في المنطقة علي أثر تداعيات اتفاقية جنيف بين ايران والدول الكبري من جهة ومن جهة أخرى تحالفهم ودعمهم للنظام السياسي في صنعاء الذي يظهر بشكل متصاعد حالة عدم الإستقرار وسيطرة الاخوان المسلمين عليه على ضوء اجهاضهم للثورة المصرية وعلاقاتهم بالقاعدة وتمردهم على إستقرار بعض دول الخليج كالامارات العربية المتحدة.

ان وجود جالية حضرمية مؤثرة في بعض دول الخليج بإمكانهم المساهمة في إبراز اهمية دعم القضية الجنوبية لمصلحة الطرفين من حيث ان الجنوب بامتلاكه الموقع الجيواستراتيجي الهام المسيطر على باب المندب والمطل على بحر العرب والمحيط الهندي قد يساهم في حالة انسحاب سلطنة عمان من مجلس التعاون الخليجي ان يشكل البديل الاستراتيجي لها وفي الوقت نفسه اذا تهاونت المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج في دعم الجنوب وتبنت ايران القضية بدلاً عنهما فسيعزز ذلك سيطرة ايران ليس فقط علي مضيق هرموز فحسب بل سيعطيها أيضا موقعاً على مستوى باب المندب في مدخل البحر الأحمر الذي لا إيران ولا سلطنة عمان لهما تواجد فيه

●في الخلاصة

علينا إستيعاب تجربة الوحدة بهروب الرفاق الى الامام بدوافع أيديولوجية ورومانسية سياسية دون أدنى إعتبار لمصالح الجنوب وشعبه. الان يجب العمل والتخطيط وفق مصالح الجنوب على أساس سياسة تبادل المصالح
مع تطلعات بعدم معادات احد وبناء علاقات صداقة وتعاون مع جميع القوي في المنطقة بسبب موقعنا الجغرافي الذي يحتم علينا ذلك علي المدي البعيد والعمل في المدي القصير مع من يتجاوب مع مصالحنا.