لمحة عن النساء الصالحات الحضرميات

315964_103506186426708_291433640_n

شبكة الطيف / منير بازهير 

المرأة الحضرمية كغيرها من نساء الإسلام قد غمرها فضل الإسلام ونوره وخيره وتكريمه.. وقد عاملها العلماء وفق هذه الضوابط، وعرف أكابر علماء حضرموت منزلة المرأة الصالحة حتى قال إمامهم العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه الملقب بعلامة الدنيا رحمه الله تعالى في ((رشفاته)) حينما تكلم عن المعرفة وأنها تشمل الجميع من الذكور والإناث قائلا:

 

فليس يختص بذي انساب ولا بأهل الجد والأسباب

بل فيض فضل منعم وهاب فيه النساء يقسمن كالرجال

 

وإذا تأملنا في كتب التراجم الحضرمية لاحظنا كثرة العلماء في هذه البلاد وخاصة في بلاد تريم المباركة وهؤلاء العلماء الكُثر لم ينتجهم إلا النساء الصالحات اللواتي قمن بإحسان التربية والإعداد التي عناها القائل بقوله:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

 

إذن فقد كانت المرأة الحضرمية تتعلم العلم الذي ينفعها في دينها ودنياها مما يكون له عظيم الأثر في صياغة شخصيتها ثم تعكسه على أسرتها وأولادها فيؤهلها للمهمة الأساسية التي خلقت من أجلها وهي صناعة الأجيال الواعية لدورها في الحياة و القيام بحقوق الخلافة عن الله والدعوة إلى دينه ومنهاجه.

وبهذا قد أدت المرأة الحضرمية دورها في إعداد العلماء وتربيتهم حتى تنورت بهم ربوع حضرموت.. وانتفع العالم بعلمهم وفكرهم ودعوتهم لمنهج الإسلام على نهج السماحة والسلام والألفة والوئام..

وبهذه المناسبة أحببت التعريف ببعض النساء الحضرميات الصالحات اللواتي منهن:

 

النموذج الأول العالمة العارفة أم كلثوم بنت طاهر بن محمد بن هاشم العلوي:

[

 

كانت نشأتها ببلدة المسيلة بالقرب من مدينة العلم تريم مدينة من مدن حضرموت.. وهي عَمَّة العلامة الفاضل عبدالله بن حسين بن طاهر المتوفى سنة 1272هـ وطاهر بن حسين المتوفى سنة 1241هـ.

وكفى بهذه المرأة فخرا أنها ربت عالمين جليلين من أكابر علماء وادي حضرموت كان لهما أعظم الأثر فيما بعد على الحياة العلمية والمعرفية في القرن الثالث عشر وهما العلامة عبدالله بن حسين بن طاهر وطاهر بن حسين بن طاهر .

فقد أولتهم السيدة أم كلثوم جل وقتها وصاغتهما صياغة علمية وتربوية ممتازة منذ البدايات الفطرية الأولى لهما فصانتهما من جميع المشوشات وغذتهما بأنوار العلم والذكر حتى بلغا مرتبة في العلم والولاية لا تسامى ولا تضاهى..

فكان احدهما وصفه الإحياء وزيادة والآخر اتصف بربع المنجيات وتنزه عن ربع المهلكات..

والمعنى أنهما تحققا بما قرره الإمام الغزالي في كتابه الرائع إحياء علوم الدين من صفات العباد الكمل من أهل الإيمان العالية الراقية التي دعا إليها الرسول صلى الله عليه واله وسلم في سنته ..وعاش عليها الصحابة وسلف الأمة الصالح من بعده..

ومما قالته لهما من عبائر التأديب والتربية حال الصغر: (يا أولادي لو عملتما بآداب الخلا لظهر عليكما نور العلم).

 

أقول وكيف لا تتفوه هذه العارفة بمثل هذه الحكمة الرائعة.. ؟وكيف لا تكون بهذه المثابة من الوعي..؟ وقد نصت كتب التاريخ والتراجم إنها تجمّعت فيها كل شروط القضاء غير الذكورة، قال عنها العلامة الشاطري في أدواره: أم كلثوم بنت طاهر بن محمد بن هاشم فهي من أفضل نساء عصرها وتعد مربية مثالية إلى جانب اتساعها في العلوم ( ).

 

_ _ _

 

 

النموذج الثاني الشيخة المسندة فاطمة بنت سالم بن عبيد بن باغريب:

 

 

الحضارمة حيثما وقعوا نفعوا رجالا كانوا أم نساء.. هكذا كان ديدنهم في العصور الخوالي..

ولقد قرأنا الكثير عن نشاط الرجال الحضارمة في تعليم الإسلام وحمل رأية الدعوة إلى الله في المهجر.. لكنا اليوم سنقف مع بعض جهود المرأة الحضرمية في المهجر؛وذلك من خلال ترجمة الشيخة العالمة المسندة فاطمة بنت سالم بن عبيد بن باغريب؛ وهي من مهاجرات الحضارم في جاوه، ولدت سنة 1256هـ في مدينة (قرسي) من تلك البلاد، وعلمها أبوها القراءة والكتابة، وقرأت عليه أيضا كتاب و((المختصر في فقه الشافعية)) لبافضل و((المنهاج)) في فقه الشافعية للإمام النووي و((الآجرومية)) في علم النحو وحضرت مجالس السادة العلماء عبد الله بن شيخ بن أحمد بافقيه، وأحمد بن الحسن مولى خيلة، وسمعت ((صحيح البخاري)) من العلامة زبير بن قاسم بارقبة، وحجَّت مع والدها سنة 1299هـ، وعَرضها أبوها على السيد أحمد بن زيني دحلان فأجازها وأسمعها أوائل العجلوني، وأجازها عبد الرحمن بن عبد الله السراج.

 

يقول السيد المسند سالم بن جندان : (رأينا نصوص إجازاتهم عندها محفوظة سنة 1330هـ، وقرأت عليها أيام الصبا، وأخذت عنها القرآن، والتجويد و الآجرومية ، وحفظت عنها سفينة النجاة وسلَّم التوفيق والموالد الثلاثة للبر زنجي والديبعي والعزب، وكانت تدرس في منزلها للصغار، وبعد العصر للنساء، وتعظهن في المجالس، وكان أهل بلدها يسمونها رابعة الصغيرة، وكانت تتشبه بالسيدة رابعة العدوية في سيرتها وسلوكها، ولها مجلس تعقده لقراءة صحيح البخاري في شهر رجب من كل عام تبتدئ بقراءته، من أول يوم وتنتهي في التاسع والعشرين من رجب، ثم تعمل مأدبة عظيمة عند الختم تدعو النساء للحضور، ثم تقوم تدعو بالدعاء المنسوب للسيد أحمد زيني دحلان، ثم تعظهن، وإذا أقبل شهر رمضان كانت ترتب القواعد لحضور التراويح التي خصصتها للنساء في المنازل، وهي التي تصلي بهن وتتولى أمر العبادات والعادات، ولا زالت مهذبة لهن ومعلمة حتى جاءتها المنية سنة 1339هـ)( ).

 

فعليها رحمة الله تعالى فقد كانت نموذجا صالحا وقدوة حسنة بجميع ما تحمله الكلمة من معنى لكل امرأة حضرمية في جوانب العلم والعمل والتعليم والدعوة إلى الله.