ثوار الثوابت .. وعملاء المتغيرات

 

كتب : عبدالباسط الحبيشي
رغم الفرز الشديد والواضح الذي أثمرته الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن، ورغم المنجزات المتواضعة التي تحققت على ضوئها، إلا أن الثوار وعلى رأسهم نخبهم الثقافية والصحافية والسياسية وحتى العسكرية لم تتمكن بعد من بلورة فكر سياسي عقلاني قادر على فهم المرحلة او بالأصح فهم الخصوصية السياسية التي يتميز بها اليمن عن غيره من دول ما سمي بالربيع العربي، ليتسنى لهذا الفهم بأن يفضي إلى رسم خارطة طريق واقعية وفقاً للمتغيرات الإقليمية والدولية.

 

قامت ثورة الحادي عشر من فبراير لإسقاط النظام ولكن لعدم إمتلاكها لأي فكر سياسي قائد، أستطاع النظام أن يركبها ويقوم بتدويل تطوراتها والتحكم بمساراتها. فأضاف هذا الركوب عبئاً إضافياً تجلى في صورة “المبادرة الخليجية”، التي شكلت بدورها عبئاً آخر بإستجلاب الوصاية الدولية وفرضها على مجريات مشهد الأحداث على الساحة اليمنية والتي أدت مؤخراً إلى إدخال اليمن تحت وصاية الفصل السابع بإشراف مجلس الأمن الدولي وقراره رقم 2040.

 

فبدلاً من مواجهة النظام السابق لوحده قبل الثورة، بات اليمن اليوم في مواجهة النظام السابق وشركائه (اللقاء المشترك) ودول الخليج التي دعمت هذا (النظام المشترك) وشرعنت له البقاء مع التقاسم والمحاصصة من خلال المبادرة الخليجية، ومن ثم تدخل المجتمع الدولي المتمثل بالأمم المتحدة ثم إنتهاءًا بقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالفصل السابع الذي أتى كنتيجة لإستفحال وتغول الجماعات الإرهابية التي تحاول أن تجعل من اليمن بؤرة إنطلاقها من خلال إختطاف اليمن بعد أن فشلت في إختطاف مصر.

 

فأصبحت المواجهة أكبر وأخطر، وهذا ما فاقم من خطورة المشهد السياسي اليمني الذي يفتقد إلى الكثير من المعالجات السياسية الحكيمة لاسيما واليمن يعاني راهناً من وطأة الجماعات الإرهابية التي تقوم يومياً بالتسلل إلى كل ما تبقى من مفاصل ومرافق المؤسسات القائمة المدنية والأمنية والعسكرية والقضائية في إطار حملة ما يسمونها بسياسة “التمكين” التي يسعون من خلالها السيطرة على اليمن لإتخاذها قاعدة إنطلاق لقيام (دولة الخلافة الإسلامية) التي تدور في فكرهم المريض. ومن أجل وصولهم إلى غايتهم الأسطورية يقفزون فوق كل الثوابت الإخلاقية والدينية والإنسانية ويخترقون الحواجز والخطوط الحمراء ويتلونون كالحرباء وفقاً لأي متغيرات ثابتة أو طارئة ومن أي نوع ويتواطئون مع أي جهة كانت.

 

إذن، بات ثمة واقع سياسي حقيقي مختلف موجود وجديد على الأرض فرضته جملة التعاطي بشكل خاطئ في قيادة الثورة منذ البداية بالطريقة التي تمت خلال السنوات الماضية والتدخلات الخارجية القوية في الشأن الداخلي. هذا الواقع السياسي الجديد يعتبر أكثر خطورة وتعقيداً من أي واقع سابق عرفه اليمن.

 

كيف يمكن تفكيك هذا الواقع المؤلم الجديد؟

 

للأسف الشديد نجد أن معظم القوى الوطنية لاسيما النُخب اليمنية على إختلافها وتنوعها ترمي كل الأخطاء التي تعصف بالبلاد على شماعة الرئيس عبدربه منصور هادي دون أي دراسة او تمحيص أو تدقيق أو حتى إدراك بأن وصول الرئيس هادي إلى رأس هذا الركام الضخم من الكوارث والإحباطات إنما جاء كمحصلة لوجودها وليس سبباً في وجود هذا الخراب الهائل الذي تتمرغ في أ وكاره وبؤره ودهاليزه مجموعة من العصابات المتمرسة في الحكم والمتمترسة خلف خفافيش الفساد والإجرام بأنواعه فضلاً عن أن الرئيس هو بنفسه محاصر من قبل هذه العصابات الإرهابية التي صادرت وأستولت على كل المؤسسات العسكرية والأمنية والإستخبارية فضلاُ عن قيامها بإغتيال كل العناصر الوطنية.

 

فإن أردنا حقاً تفكيك هذا الواقع الأليم ينبغي على كل القوى “الوطنية” أولاً أن تعترف بكامل الوعي والإدراك بأنه لا توجد (دولة) يقف على رأس هرمها الرئيس هادي، وبأن الرئيس هادي لم يصل للرئاسة في ظل وجود دولة، أي دولة، فضلاً عن وراثة دولة كاملة ومتكاملة بمؤسساتها المبنية على قواعد النظام والقانون كما هو الحال بالنسبة لرؤساء العالم، كي يحق للجميع أن يُسقط كل المآسي التي تقع في وعلى اليمن على عاتق الرئيس، او حتى على الأقل لا نظل نلوم الدولة الغائبة.!!! هذا الإعتراف يعتبر من الأهمية بمكان كمقدمة ضرورية وأساسية حتى تتمكن القوى الثورية الوطنية من التفكير بشكل إيجابي لمعرفة الأولويات التي ينبغي مواجهتها بدلاً من وضع اللائمة على الرئيس هادي وكفى.

 

ثانياً، لمعالجة الواقع اليمني الراهن بشكل موضوعي وإيجابي، على القوى الثورية الحقيقية الجمعية وفي مقدمتها الحراك الجنوبي وأنصار الله أن تبتكر برنامج سياسي مرحلي فاعل وموحد وقابل للتنفيذ يتناسب مع الراهن الجديد شمالاً وجنوباً من خلال العمل على خطوط القواسم الوطنية المشتركة، و لكل طرف مايراه في إلتزامه الفكري الخاص بثوابته دون محاولة فرضها على بقية الأطراف الأخرى. الخروج العشوائي إلى الساحات والتظاهر المستمر بدون برنامج سياسي وأهداف محددة نابعة من رؤية سياسية واضحة ليس منها أي طائل سوى أن الأطراف الإرهابية والمضادة للثورة تأكل الثوم بأفواه الثوار.

 

وثالثاً وهو الأهم ينبغي أن ندرك وخاصة قوى الثورة الوطنية، بأن مخرجات مؤتمر الحوار ليست قوانين أو أنظمة نافذة مما يجب تطبيقها على الفور مما يجعلنا نعزو بالفشل العام في البلاد على مؤتمر الحوار أو الرئيس هادي او الدولة الغائبة او غيرها لاسيما وقد توجب علينا الإعتراف آنفاً بعدم وجود دولة كمقدمة لتفكيك الواقع الكارثي الراهن، إذن فمن باب أولى أن لا نضع اللائمة على أي جهة إلا أنفسنا خلال هذه المرحلة حتى يتم صياغة الدستور الذي سيعتبر قانون الأرض اليمنية بعد الإستفتاء عليه من قبل الشعب.

 

وبما أن الأغلبية تتوقع بما ليس فيه مجال للشك بأن نصوص الدستور ستكون عبارة عن حبر على ورق في عدم وجود دولة ومؤسسات أمنية وعسكرية وطنية قادرة على حمايتها لاسيما بعد أخونة الجيش والأمن وغيرها من مؤسسات القانون والردع، بات من البديهي والحتمي حماية الدستور. ومن هنا تتفكك وتتضح طلاسم لغز الفصل السابع من خلال ضرورة تدشين الإنتقال والدخول إلى المرحلة الإعدادية بقوة وأقتدار بعد التخرج من المرحلة الإبتدائية ذات الفصول الستة. هو الدور الإستباقي الضامن المناط بالإعداد العملي والرد الفاعل لكل من تسول له نفسه مخالفة دستور الشعب بعد ذلك.

 

bassethubaishi@yahoo.com