مصر … لابد يل عن التسوية السياسية !!!‏

طال أمد الفوضى والاضطرابات في مصر وتشعبت مسالك الاختلاف وبات جليا أن لا حل أمام المصريين سوى القبول بالجلوس إلى مائدة التفاوض والتسليم بمبدأ التسوية السياسية كمخرج للأزمة التي تعصف بجمهورية مصر العربية وتمتص دماء أبنائها منذ عزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي العياط بعد حركة 30يونيو2013م !!

 

ويبدو أن مصر ليست الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي تتطلب الضرورة أن تهدئ من اندفاعها في السير في ممر (الحلول الأمنية) الضيق والذي يزداد ضيقا كلما استمر التوغل فيه , بل أن ذلك ينطبق على بقية الدول العربية دون استثناء سواء تلك الدول التي شهدت ربيع الثورات العربية أو التي أنتجت ذلك الربيع ودعمته وساندته وتبنت كل حركاته وسكناته !!

 في خضم التحركات والأفعال وردودها في الساحات العربية المضطربة اليوم تتجلى أمامنا حقائق عدة ملموسة يجب أن لا يغفلها أحد , لان إغفالها يعني زرع بذور لصراع لا نهاية له , وهذا أيضا يعني بالنتيجة بقاء العالم العربي في مربع العالم المتخلف لعقود قادمة لا يعلم إلا الله نهاياتها , تلك الحقائق تتجسد في  : أن الشعوب العربية قد خرجت من (قمقم) التسليم والاستسلام والتبعية العمياء للديكتاتوريات الذي سجنت فيه منذ بزوغ شمس فجر الثورات العربية في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي , الحقيقة الثانية : هي أن القوى الإسلامية قد أصبحت تحتل مساحات شاسعة على الساحات السياسية والشعبية وتشكل رقما لا يمكن تجاوزه , وبات تأثيرها واقع ملموس لا يقبل التسويف , وبالتالي فأن هاتين الحقيقتين

ولغرض التعاطي معهما التعاطي الصحيح والبناء , تحتاج الأقطار العربية لتغيير جذري عند النخب السياسية فيها والقوى التي عاصرت أنظمة الحكم المتعددة والمتنوعة التي توالت على الساحة العربية والتي شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر هذه الأنظمة في الحكم , تغييرا يشمل الثقافة والسلوك في التعاطي مع هذه الحقائق, كما يجب أيضا أن تعيد تلك القوى والنخب السياسية تهيئة برامجها وأطروحاتها ومفردات خطابها السياسي بحيث يتماشى كل ذلك مع متطلبات المرحلة الراهنة التي باتت تتسيد ها وتؤثر فيها بشكل كبير المتغيرات التي نشأت وستنشأ لاحقا بفعل تأثير هاتين الحقيقتين !!

 

أن الصحوة الشعبية العربية وكذلك الظهور والانتشار للتيار الإسلامي حالتان متوازيتان ظهرتا كنتيجة حتمية لإخفاقات وإرهاصات مراحل أنظمة الحكم الفردي التي تشبث أصحابها بالحكم خلال عقود أغلقوا فيها أي منافذ لأي شعاع  تغيير تتنفس منه تلك الشعوب عبيرا يخفف من حدة الاحتقان والتوتر لديها , وهما أي (تلك الحالتان) كفيلتان بإشعال المنطقة لسنوات طويلة قادمة إذا لم نحسن التعاطي معهما بعقلانية وبتسليم يلتزم ويقوم على معطيات الواقع الملموس , وان أي محاولة للاستناد فقط على (الحلول الأمنية) كعلاج للمضاعفات الناشئة عن هذه الحالة لن يؤدي إلا للمزيد من التوتر والصدامات التي قد تقود إلى تمزيق كثير من هذه الأقطار  بل وستتسبب في اختفاء أقطارا أخرى من على الخارطة لا سمح الله , فالحلول الأمنية أثبتت حتى هذه اللحظة أنها ليست هي الأداة الفاعلة لإيقاف تفشي هاتين الحالتين واستفحالهما كما أراد أصحاب هذه المعالجات , وهو الأمر الذي يفرض ضرورة تجربة حل القبول يهما والتعاطي معهما فقد يكون ذلك هو الحل الأفضل والأنسب والأنجع !!

 

أن الواجب علينا كقوى ونخب سياسية على الساحة العربية اليوم أن نترك الفرصة للشعوب لتقول كلمتها , وان نوجد قواسم التلاقي بين فئات المجتمعات العربية المتباينة وان نؤسس لثقافة جديدة تقوم عليها أنظمة الحكم في دولنا العربية تستطيع أن تقود سفينة هذه الشعوب إلى بر الأمان , فالشعوب العربية اليوم لم تعد هي شعوب العرب في سنوات الثورات الأولى كما لم يعد واقع اليوم المتطور معلوماتيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا هو واقع العرب بالأمس , وعلينا دائما أن لا ننسى أن ما يحدث اليوم في مجتمعاتنا هي معركة صغرى تدور رحاها على هامش المعركة الكبرى التي يقودها أعداء الدين والأمة ضدنا , ويجب أن لا ننسى أننا في نظر أعدائنا مشروع تقسيم وهذا ما يؤكده أعدائنا ليلا ونهارا مستغلين  ضعف ذاكرتنا وقلة احتياطاتنا لمواجهة مشاريعهم , ولعل ما نشره احد كتاب اليهود في العام 1993م في احد مقالاته كفيل بأن يلفت نظرنا حيث كتب ه.ج,توسك وهو كاتب يهودي مقالا في أحدى الصحف الاسترالية قال فيه : ( منذ فترة طويلة ترجع إلى ما قبل قيام إسرائيل في قلب العالم العربي بدأنا مخطط لصياغة أمننا الاستراتيجي ضمن إطار لا بحدود دول الطوق وإنما يمتد جنوبا إلى البحر العربي ,كان الانتصار العربي قي حرب يوم الغفران1973م بوابة دخلنا من خلالها لتدبير وصياغة اتفاقيات(كامب ديفيد) , وكانت أيضا أزمة الخليج سانحة طرحنا في أوجها مشروعا تكتيكيا للسلام مع أطراف النزاع العربي مع إسرائيل لنجمد جيوشها وأسلحتها الهجومية , ولا يخالجنا شك في تداعي كل دول المنطقة الواحدة بعد الأخرى, والمسألة فقط مسألة زمن .. حيث أننا نتحكم في توقيت السقوط بما يلبي المتطلبات الإعلامية لكسب الرأي العام العالمي .. وأضاف الكاتب الإسرائيلي انه وبعد تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط لم تعد نظرية تباين النظم السياسية في الدول العربية الأساس الوحيد لضمان أمننا الاستراتيجي حتى البحر المفتوح – العربي – ونجد الآن أن الخيار الأمثل هو خيار التفتيت والتجزئة !!)

 

                                                                               عبد الكريم سالم السعدي

                                                                                         عدن

                                                                                  فبراير2014م