محمد ناجي احمد يكتب : عبد الله البردوني وشذرات من “تبرج الخفايا” (3)

محمد ناجي احمد يكتب : عبد الله البردوني وشذرات من “تبرج الخفايا” (3)

(شبكة الطيف) كتب / محمد ناجي احمد

حمود عباد : الرغبات والضغينة

حكاية “حمود عباد” مع البردوني واحدة من تلك السرديات التي تعطي منظورا عن طبيعة المجتمع، وتحديدا الطبقة الوسطى، من العمال والحكام والمدراء، وما يعيشونه من رغبات وأهواء.
“حمود عباد” رئيس بلدية ذمار، الذي عاش في عهد الإمام يحيى وأحمد، هو جد “حمود محمد حمود عباد” وزير الأوقاف ومحافظ ذمار سابقا، وأمين العاصمة في سلطة الحوثيين حاليا.
توارث المناصب سمة من سمات التواصل بين نظام الإمامة وجمهورية المشيخ، فالأحساب والأنساب والشرف المحتد من شروط تسنم الوظائف العليا.
و”حمود عباد” الجد والحفيد تعود جذورهم إلى الإمام المهدي أحمد بن الحسن بن القاسم.
الحفيد شخصية عابرة للمواقف، بدأ حياته السياسية من حيث النشأة والتكوين ضمن بنية تنظيم الإخوان المسلمين، وهو ما انعكس كتربية في طريقة إلقائه وخطابه وتفكيره، كسمات لم تفارق شخصيته إلى اليوم، وهو القيادي في المؤتمر الشعبي العام، ثم أخيرا أحد أقطاب الهاشمية السياسية، الذي لا يفتأ يذكرا الناس بأنه من أحفاد الإمام المهدي أحمد بن الحسن.
هنا البرغماتية ليست فلسفة ذرائعية، تتبنى مصلحتها الفردية في سياق عدم المساس بقيمة المواطنة، وإنما تزيح فكرة المواطنة والعقد الاجتماعي، لتُحِلّ بديلا عنها فكرة “الولاية” الولاء والاصطفاء الإلهي، في القرن الواحد والعشرين، عصر المعلوماتية والفضاء السيبراني الذي لا يقبل بتلك الأساطير المنتمية لعصور الإقطاع والبداوة والشفعاء والآلهة المزجية من قوة حيوانية وخرافية.
هي مغامرة ونهم للسلطة، نزوع إلى الحكم أقوى من الانتماء العابر، بل تحويل الانتماء إلى قناع يتوسل به السلطة والثروة.
مغامرة نتجت عن سقوط الدولة الهشة، التي كانت تتضمن في تكوينها ورؤوس ثعابينها وموازين قواها هذه الهويات القاتلة، محتوية لها كمن يحمل بذور فنائه، ومع سقوط الدولة في هاوية التشظي استقلت أقنعة الطائفية بالجغرافيا اليمنية، مقسمة لها كل بحسب دوره الوظيفي ونفوذه ومكان سيطرته، في ظل تجاور وتخادم بين أقنعة الطائفية، ليدفع الوطن والإنسان اليمني كلفة هذا السقوط من دمائه وأمنه ومعيشته التي وصلت إلى أدنى حدود الفقر، مع انتشار للأمراض، وتدمير للتعليم، وصل أعلى مراحله، وانقطاع للرواتب طيلة سنوات، بغرض تدمير الطبقة الوسطى وإيصالها إلى ذروة العوز والحاجة، ولقد تحقق ذلك!

حمود عباد الجد:
في تعليله لقيام “حمود عباد” رئيس بلدية ذمار عام 1949م بنشر الإشاعات ضد البردوني حين أمر الإمام بحبسه، جاء في “تبرج الخفايا” :
“وكانت الإشاعات الشريرة أكثر انتشارا ولاسيما عند الذين عرفوا ان بيني وبين محمد بولص وحمود عباد رئيس البلدية خصومة ظاهرة، وإن اختلف سبب حمود عباد عن سبب بولص، وكان بولص واجدا عليّ لأني استحكمت عليه بأداء الحضانة إلى زوجته المطلقة، وأنها أولى بولديها… غير أن (بولص) كان مدفوعا من زوجته الجديدة، لأني ادعيت أنها مصابة بعقدة العقم، والعقيم لا تحب أولاد أحد، لأنها لم تجرب الأمومة… أما رئيس البلدية (حمود عباد) فكان حقده العنيف مجانيا؛ لأنه يطمع في أحد زملائي الذماريين الشهير بالوسامة، وكان يراني كثيرا في صحبته، ويعلم الله أن صلتي به لم تتجاوز صحبة الدراسة الابتدائية، ولكن (عباد) كان يرى الغلام أكثر احتفاء بي، يفرش لي مساحة في الدكان لجلوسي، فظل (عباد) يبرم لي المكائد التي لا يقبل أحد إعانته عليها، فكان غاية جهده تجسيم تهمتي، وكانت تلك التهمة أحاديث مدينة (ذمار) المتعددة الوجوه والرواية.”ص781-782.

كان اعتقال “عبد الله البردوني” سياسيا لكن خصومه وجدوا في أمر الإمام بحبسه فرصة لنشر الإشاعات، فمن أحال سبب الحبس إلى سبب أخلاقي ومن ذهب إلى أن البردوني يمارس السحر، وأنه تعلمه من “اليهودي عزرا” فقد كان البردوني يذهب إلى بيت “عزرا” ليدرسه النحو واللغة ، ومن هنا لفقوا على البردوني هذه الإشاعة، مع أن عزرا لم يكن يمارس السحر!
وهناك من يرى في تفنيد ونقض البردوني لحكم مختوم بختم الإمام احمد سببا للحبس، فقد طلب الشيخ الحطيبي من البردوني تفنيد ونقض الحكم المختوم من الإمام أحمد دون أن يعلمه بأن الحكم والشجار معمد بختم الإمام، مستغلا العمى الذي سيحول بين البردوني ورؤية التعميد “وفي هذه الليلة اكتشفت تكرار قول الشيخ الحطيبي (مالها غيرك)!” ص783.
ومن ذهب إلى أن السبب هو قصيدة شعرية فهمها الإمام أحمد بأنها مناهضة لتولية ابنه البدر ولاية العهد، وأن البردوني من حزب سيف الإسلام الحسن، فيما الحسن كان يرى البردوني من العصريين!
لقد تم اعتقال البردوني في ذمار وأشيع الكثير من التهم ضده، منها أخلاقية ومنها أنه يعمل بالسحر، وباطن التهم سياسي، يرتبط بالنزاع على ولاية العهد، وعلى خريف الإمامة الذي لمّح شعر البردوني حينها إلى ذلك.
تم نقل البردوني من سجن القشلة إلى سجن القلعة، ثم إلى الغرفة الشرقية في الدار التي عمرها عبد القدوس الوزير، ومن تلك الغرفة، أو “الحبس الميزي” أي الحبس المميز لعلية القوم تم نقل البردوني إلى سجن “الرادع” بصنعاء…
يتبع…