ماذا تكسب مصر من حضورها في غزة.. وماذا تخسر بانتصار حماس

ماذا تكسب مصر من حضورها في غزة.. وماذا تخسر بانتصار حماس

(شبكة الطيف) العرب

جاءت حرب الأحد عشر يوما الأخيرة لتثبيت مصر كلاعب رئيسي في الوساطة بين حماس وإسرائيل، لكن هذا المكسب المهم يدفع القاهرة إلى تقديم ضريبة لم تكن تتمناها، وهي اضطرارها للخروج من الحياد التقليدي والاقتراب من مواقف الحركة الفلسطينية ذات الانتماء الإخواني، حيث صار إعلام مصر منحازا لـ”المقاومة” بعد أن ظل لسنوات ماضية يهاجمها ويتهمها بإسناد الإرهاب في سيناء.

يأتي هذا فيما سيكون الامتحان الأكبر أمام مصر في المرحلة القادمة هو الحد من غلواء حماس وشعورها بالنصر ورفع سقف مطالبها بما في ذلك على القاهرة، وهو وضع قد تكون له تداعيات داخل مصر نفسها.

ويجري وفد أمني مصري لقاءات ومشاورات في غزة ورام الله وإسرائيل لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان عدم حدوث انتهاك له، حيث تشعر القاهرة أنها استعادت دورها المحوري كوسيط فعال لدى الفلسطينيين، وخاصة لدى الغرب وخاصة الولايات المتحدة.

وقد يحدّ الإحساس العارم لقيادة حماس بنشوة الانتصار المعنوي من مكاسب القاهرة وينهي سريعا شهر العسل الذي ظهرت معالمه مع نجاحها في التوسط لوقف الحرب بين حماس وإسرائيل، فالحركة برعت في استثمار فكرة المقاومة.

وأكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في كلمة متلفزة الجمعة على “النصر العظيم الذي سجلته المقاومة الباسلة”، وشكر إيران على دعمها للمقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح، وهي رسالة سلبية تقلل من دور مصر في إنهاء الحرب على غزة وإنقاذ حماس نفسها.

وأسهمت الجغرافيا السياسية في نجاح دور القاهرة، وبدت حماس نفسها مجبرة على مراعاة تحركات مصر، فهي منفذها الوحيد على العالم في ظل ما فرضته إسرائيل من حصار عليها منذ سنوات، وهو ما حاولت القاهرة استثماره في هذه الحرب.

ومع أن حماس خرجت منهكة عمليا وفقدت جزءا كبيرا من مخزونها العسكري في الحرب، لكنها بالتأكيد ستعمل على الاستفادة منها سياسيا وإعلاميا وتصويرها للرأي العام العربي على أنها “نصر كبير” دون الالتفات إلى ما خلّفه هذا “النصر” من مآس في غزة.

وتقتدي حماس بحزب الله اللبناني في مواجهته عام 2006 مع إسرائيل وتحاول إعادة إنتاج روايته بالطريقة التي تناسب أوضاعها، حيث تجاهل الحزب الدمار الذي أدت إليه الحرب في جنوب لبنان وأجاد تسويق نتائجها باعتبارها نصرا مهمّا للمقاومة.

وظهر الخطاب المصري قريبا وربما منسجما مع نظيره الحمساوي، فقد جرى في خضم الحرب استخدام عبارات من نوعية “الاحتلال الإسرائيلي، المقاومة الفلسطينية، الشهداء”، وظهرت هذه المفردات بجلاء في غالبية وسائل الإعلام المصرية الرسمية.

ويتناقض هذا مع الرؤية المصرية السابقة التي لم تكن مرتاحة لحماس، باعتبارها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر في خانة الإرهاب، وعانت من تدخلاتها الأمنية في سيناء، وقدمت الحركة دعما للمتطرفين فيها عبر الأنفاق الواصلة بين رفح الفلسطينية ونظيرتها المصرية.

ولم تعد القاهرة تنظر إلى حماس كعنصر يهدد الأمن القومي بعد هدم الأنفاق التي استخدمت في تهريب السلاح، وإحكام السيطرة الأمنية على سيناء، وحصار التنظيمات الإرهابية التي لم تعد قادرة على الحركة في ظل الإجراءات المشددة هناك، وتبحث عن توفير الاستقرار لتثبيت الوضع الأمني الهادئ في سيناء.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن المعادلة اختلفت، حيث ترى القاهرة ضرورة عدم الوقوف عند الفروقات الأيديولوجية، لأن حماس متمترسة في قطاع غزة، وهو أمر في غاية الحيوية للأمن المصري، ومن المهم التعاون مع الحركة لضمان عدم حدوث خروقات أو القيام بتصرفات تزعزع ما تصبو إليه القاهرة من استقرار.

وأكدت المصادر ذاتها أن القاهرة قررت إعادة تدوير دورها في غزة، وعدم اقتصاره على الدور الأمني والسياسي، والميل لتقديم مساعدات سخية لسكان القطاع لكسر حاجز الهيمنة القطرية المتمثلة في المعونات التي تقدمها الدوحة واحتكارها تقريبا لمشروعات إعادة الإعمار، ما يحقق للقاهرة نفوذا شعبيا جديدا.

وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تخصيص نصف مليار دولار لإعادة إعمار غزة كدلالة على أن القاهرة سوف تواصل دورها المادي وأنها الأجدر بمساعدة سكان القطاع الملاصق للحدود الشمالية لسيناء. كما أنها هي الأجدر في الاستفادة من إعادة الإعمار.

وخلا خطاب القاهرة من الإشارة مباشرة إلى تقديم الدعم لحركة حماس، وركّز على الشعب الفلسطيني ككل، ووجدت مصر في التوافق بين الفصائل على مجابهة التصعيد الإسرائيلي صيغة مناسبة للتوجه بمزيد من إجراءات الدعم إلى غزة من دون أن يرتبط الأمر بدعم حماس المنتمية لتنظيم الإخوان.

ويقول مراقبون إن هناك توجها مغايراً لما ذهبت إليه القاهرة خلال عمليات التصعيد التي حدثت من قبل، حيث تعاملت بطريقة حملت تحفظا في مسألة الانفتاح على غزة وسعت لمنع التداعيات السلبية على الداخل المصري.

وأشارت عضو المجلس المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، نهى بكر إلى أن المقارنة بين الموقف الحالي من التصعيد في غزة وبين أحداث شبيهة، آخرها حرب العام 2014، ظالمة لأن الدولة المصرية قبل سبع سنوات كانت تعاني اختراقاً داخلياً.

وأضافت لـ”العرب” أن ما يحدث هو تراكم لجهود من الانفتاح على مدار سنوات في ملفات عديدة، وأن العمل الدبلوماسي بدأ يؤتي نتائج إيجابية تمكّن القاهرة من القيام بدور كبير على مستوى القضية الفلسطينية.

وتريد القيادة المصرية احتواء حركة حماس وكبح جماحها العسكري، والتخفيف من اتهامها بالانحياز للسلطة الفلسطينية في رام الله، وبالتالي العمل على إنهاء الانقسام بين الفصائل كي تتمكن من إعادة الحياة إلى عملية السلام المتعطلة.

وذكر وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري اللواء يحيى الكيدواني أن السياسة المصرية تسير في خطوط واضحة تجاه الشعب الفلسطيني وترتكز على تهيئة الأجواء لإنهاء الانقسام، والتفرغ لحل الصراع سياسياً عبر حل الدولتين، وأن استخدام لغة لينة مع حماس عبّر عن ضرورة إنقاذ الأوضاع في غزة.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن القضية الفلسطينية تمثل أحد أبعاد الأمن القومي المصري وتتعامل معها أجهزة الدولة دون النظر إلى الاستفادة المادية أو السياسية وما يهمّ أن تكون هناك حالة من الاستقرار، وتجنب التوترات المستمرة في القطاع.

وذكر وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري اللواء يحيى الكيدواني أن السياسة المصرية تسير في خطوط واضحة تجاه الشعب الفلسطيني وترتكز على تهيئة الأجواء لإنهاء الانقسام، والتفرغ لحل الصراع سياسياً عبر حل الدولتين، وأن استخدام لغة لينة مع حماس عبّر عن ضرورة إنقاذ الأوضاع في غزة.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن القضية الفلسطينية تمثل أحد أبعاد الأمن القومي المصري وتتعامل معها أجهزة الدولة دون النظر إلى الاستفادة المادية أو السياسية وما يهمّ أن تكون هناك حالة من الاستقرار، وتجنب التوترات المستمرة في القطاع.