محمد ناجي احمد يكتب : عبد الله البردوني وشذرات من “تبرج الخفايا” (4)

محمد ناجي احمد يكتب : عبد الله البردوني وشذرات من “تبرج الخفايا” (4)

(شبكة الطيف) كتب / محمد ناجي احمد

عبد الكريم الخميسي والسطو الشعري

في هذه الشذرات التي أتداخل معها نقديا واستقرائيا وعرضا وتوازيا منطلقي في اختياراتي هو ما أراه لغة وثقافة منتميا لجوهر الاشتغال المعرفي والأسلوبي الذي تميز به عبد الله البردوني، فالكتاب يؤخذ نقديا من منظور العقل المنتج والمحرك للتفاصيل.
لهذا فإن ما ذكره هذا الكتاب من تسامح البردوني تجاه غلظة نقد أحمد محمد الشامي يشي بأن هناك حذفا ما ينبغي أن يستكمل بما ذكره البردوني في كتبه الأخرى كلما حمله السياق واستطراداته تجاه رجالات حركة 48م، وعن أحمد الشامي سياسيا وأدبيا واجتماعيا.

هناك ست حلقات ربما كانت تغطي ذاكرة البردوني لعقدي الثمانينيات والتسعينيات ليست من محتويات هذا الكتاب، وهو ما عللته بتواطؤ بين ورثة البردوني وسلطة ما، لا تريد للبوح النقدي المفعم بالتفاصيل والحكايات أن يتضمنها هذا الكتاب.

يبدو أن “كُعدة النص” أي السمن داخل وعاء فخاري، قريب الشبه بالجَمَنَه، يوضع فيه السمن كأهم طعام يتناوله المتيسرين، في زمن كانت المجاعات ملازمة لليمنيين، ما يجعل “كُعدة النص” غذاء للملوك، لندرتها- يبدو أن هذه “الكُعْدة” ظلت تطارد البردوني في حياته ومماته.
يحكي البردوني أنه في عام 1954 عند زيارة الملك سعود بن عبد العزيز لليمن واستقبال الإمام احمد له في صنعاء، أنه قرأ قصيدة في ذلك الاستقبال، فلم يشر إلى الملك “سعود” ولم يبالغ في مدح (الإمام)، مما جعل الأمير محمد بن الحسين يُقَبِّله بفرح في وجه وصدره، وأعطاه كيسا من القش يحتوي على ألف ريال، قام البردوني بِعَدّها بعد عودته وإغلاقه لكوخه في باب السبح فوجدها تزيد عن الألف بثلاثة ريال، وقد كان محمد بن الحسين يحب صدق القول والعمل، ويكره البهرجة والانتفاخ. ومما قاله البردوني في تلك القصيدة وصفق له الجمهور :
في كل جارحة بجسمك مالكٌ
يرمي على زمر العِداة جهنما. ص427.
عاد إلى القرية وأعطى أمه وأباه معظم المبلغ ووزع الباقي على أخته وآخرين، فما كان من أمه وأبيه إلاَّ أن انزعجوا من توزيعه للمال على الآخرين بدلا من اعطائه كله لهم، وقالوا له “والله إننا يوم زفافك عند وصولك (ياسين) صبَّينا (كُعدة النص)… لهذا أخرجني أبي آخر الضحى إلى خلف سور القرية، فاختلى بي، وأول ما بادهني بصفعة عنيفة أسقطت العمامة من رأسي من الجانب الأيمن.. وقالت أمي :”خبأت الريالات تحت رُكبتك، وهات يا صرف لمن راح وجاء، وكان اللازم أن تسلم إلينا كل ما وصلت به.. واليوم معنا ثلاثمائة وستون، سوف توفي النقص، إحنا الذين علمناك من جهلك، والله إن احنا صبَّيْنا يوم زفافك كُعْدة النُّص).
لا تريد (كٌعدة النص) أن تتركني وحدي للمواجع.” ص429.
هل انتقلت (كُعْدة النص) كجينات إلى الورثة، فتواطؤا على إخفاء ست حلقات من مذكرات البردوني كانت معدة للنشر في حياته وأجّلها موته؟

عبد الكريم الخميسي وسطوه الشعري:
بحسب ما كتبه البردوني في هذا الكتاب ونشره أواخر تسعينيات القرن العشرين فإن عبد الكريم الخميسي سطا على قصيدة عبد الكريم الأمير ونشرها باسمه، والتي يقول الأمير في مطلعها :
وطني المقدس قلعة الآساد
ومنارة العليا ومهد الضاد.
بل إن الخميسي في عام 1972 شارك بقصيدة بمناسبة افتتاح مركز الوسائل بصنعاء، فأنشد عبد الرحمن العمراني، وإسماعيل الوريث، وعبد الكريم الخميسي، وعبد الله البردوني، فكانت قصيدة عبد الكريم الخميسي بحسب البردوني سطوا من “الديوان الفلسطيني” من قصائد (راشد حسين). ص1037.
يبين البردوني من خلال معرفته وعلمه بشعر عبد الكريم الأمير، أن الخميسي سطا على قصيدة عبد الكريم الأمير، فقد كان الخميسي من رواد مقيل الأمير، وأن تلك القصيدة المتنازع عليها في عام 1997، وعنوانها ” وطني ووطنيتي” هي من حيث وزنها وقافيتها واسلوبها ومعانيها وغرضها هي من شعر عبد الكريم الأمير، بل يضيف إلى ذلك نصا آخر انتحله الخميسي وهو من نصوص عبد الكريم الأمير.
ففي عام 1960 “وفي أحد أعداد مجلة “الأثير” الذي كان يقدمه عبد العزيز المقالح في الإذاعة، أطلعه المقالح على قصيدة جميلة بعنوان (الشعر) جاء فيها :
هو الشعر يرقى وينصبُّ كي
يترجم للأرض معنى السماء.
فقلت عن هذا من المعاني التي تفتن عبد الكريم الأمير، فشدَّ على أناملي إشارة لخفوت الصوت أو احتباسه، لأن القصيدة منسوبة صوتيا إلى عبد الكريم الخميسي. وكان المقالح في آخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من رواد مجلس الأمير، وقد شاهد ولادة تلك القصيدة على شفتي عبد الكريم الأمير، وتحت لسان قلم عبد الكريم الخميسي.. ولما عرفت رواد مجلس الأمير من الأستاذ محمد علي الحيفي، كان عبد الكريم الخميسي أول اسم وعلي الحوثي الثاني، وعبد العزيز المقالح الثالث” ص1036.
أثير موضوع انتحال عبد الكريم الخميسي لقصيدة عبد الكريم الأمير “وطني المقدس قلعة الآساد” على مجلة “بلقيس” في عدد ابريل من العام 1997م.
وعلى ذكر عبد العزيز المقالح في هذه المذكرات فقد وصفه البردوني بقوله ” غير أن المقالح لا يتخلى عن الفكرة الأولى ولو ناقضتها المعاكسات التطورية التي يتغنى بها” ص703.

لعلّ التربية العقدية لدى الإسلاميين قولبتهم على الاتباع، واستسهال السطو والسرقات طالما أنها فكرية، وليست مادية مُحرّزة. وطالما أن الإحداث بدعة وضلالة في النار “فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار” ولهذا ينجو من يسطو على الإبداع في حين يكون مصير المحدث والمبدع جحيم نهب ما أنتجته مخيلته!
لهذا كان تعويض هذا الجفاف والتصحر، نهب الخيال، وتكفير المتخيل، وتعطيل ملكة الخلق.
فالسطو والسرقة والاحتذاء ووضع الحافر على الحافر ينجي من نار ومكابدة الابتكار،.
ليس هناك تفعيل ومقاضاة بخصوص الحقوق للمواد الأدبية والفكرية إلاَّ ما ندر، كمقاضاة كاتبة سعودية للداعية عايض القرني حين نهبها ثلثي الكتاب المنشور باسمه “لا تحزن…” بسبب الكلفة المالية للمقاضاة.
يشمل السطو والسرقة والاحتذاء في اليمن العديد من الأعمال الإبداعية، أكانت مقالة أو دراسة أو قصة صحفية أو برنامجا إذاعيا وتلفزيونيا أو دراما أو أعمالا سردية وشعرية الخ…
في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة وجدنا تلك المكاشفات التي جرت بين الصحفيين سمير اليوسفي ونبيل الصوفي، فسمير يتحدث عن المواقف المتطرفة دينيا وسياسيا لنبيل الصوفي، الذي كان يحرم الغناء والرسومات والرحلات الطلابية المختلطة حين كان طالبا في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، ونبيل الصوفي يكتب عن سطو وسرقات سمير رشاد اليوسفي مقالات من صحف ومجلات مصرية كـ”روز اليوسف” وغيرها ونشرها باسمه في صحيفة الجمهورية والثقافية التي يرأس تحريرها، فما كان من سمير كي يسحب من خصمه هذه الورقة السجالية إلاَّ أن اعترف ببعض سرقاته التي لم يكن نبيل على علم بها أو سيعلم بها طالما بدأ التنقيب في سرقات “أخوه في الله”!
هنا لا أتحدث عن تماهيات أو سرقات الشباب في مقتبل إبداعهم، كأحمد الشلفي ومروان الغفوري اللذين كانا حينها يستنسخان قصائد محمود درويش وسميح القاسم وغيرهم، ويعيدون رصها باسمهم، وإنما أتحدث عن منهج تربوي يحارب ويكفر الخيال ويتساهل ويشجع على السطو، ولا يرى حرجا من الاستمرار في هذا الطريق!
كنت قد كتبت عن “قناة الجزيرة” وفيلمها الوثائقي، عن الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، وسطوهم لعنوان “الغداء الأخير” من مقالة لي نشرتها عام 2013م، كان التركيب الذي استخدمته في مقالي المنشور عام 2013 إزاحة للعشاء الأخير عند المسيح عيسى بـ”الغداء الأخير” للحمدي، ويومها تحدثت في مقالي عن الحمدي وعيسى والحسين. لكن تبريرات القائمين “جمال المليكي” ومن على شاكلته أن هذا التركيب متداول ومشاع، وكأن “العشاء الأخير” مبرر لنهب كل إزاحة انطلقت منه!
لعلّهم قاسوا مسافة الإزاحة بين التركيبين فوجدوها قريبة في تناصها، فاعتبروا كل تناص مشاع!
كذلك ما كتبته عن الرئيس إبراهيم الحمدي ومقتل الحجري ومقتل محمد علي عثمان من مقالات بحثية، وجدتها منسوخة مع التغيير المطلوب في السرقات، ومذيلة باسم ” أمين سيف النمراني” وبحجة أنه أورد في مقاله بعض نتف لم ترد في كتاباتي!
ومن ذلك سطو موثق الصور، الذي لديه صفحة في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” ” “الموثق” كما يحب أن يصف نفسه “محمد حسين العمري”- لما كتبته عن محمد محمود الزبيري ومقتله، في الطبعة الثانية من كتابي “المذكرات السياسية في اليمن” وبدلا من تقديمه لاعتذار وتذييل ما نقله باسمي ظل يعدل عديد مرات في الموضوع عله يخفي سطوه!الأخير” مبرر لنهب كل إزاحة انطلقت منه!
لعلّهم قاسوا مسافة الإزاحة بين التركيبين فوجدوها قريبة في تناصها، فاعتبروا كل تناص مشاع!
كذلك ما كتبته عن الرئيس إبراهيم الحمدي ومقتل الحجري ومقتل محمد علي عثمان من مقالات بحثية، وجدتها منسوخة مع التغيير المطلوب في السرقات، ومذيلة باسم ” أمين سيف النمراني” وبحجة أنه أورد في مقاله بعض نتف لم ترد في كتاباتي!
ومن ذلك سطو موثق الصور، الذي لديه صفحة في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” ” “الموثق” كما يحب أن يصف نفسه “محمد حسين العمري”- لما كتبته عن محمد محمود الزبيري ومقتله، في الطبعة الثانية من كتابي “المذكرات السياسية في اليمن” وبدلا من تقديمه لاعتذار وتذييل ما نقله باسمي ظل يعدل عديد مرات في الموضوع عله يخفي سطوه!