وزير الثقافة اليمني: إنعاش الثقافة يحتاج وقتا

 
حاوره في صنعاء /عبد الغني المقرمي
 
يعيش المشهد الثقافي اليمني أزمة متشعبة يختلط فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي، وتتجلى ملامحها في غياب الفعل الثقافي المستمر، وفي عمليات تهريب الآثار الواسعة، وفي تحذيرات اليونسكو لعدد من المدن التاريخية اليمنية بحجبها عن قائمة التراث العالمي.
ويؤكد وزير الثقافة اليمني أن الأزمة في قطاع الثقافة ناشئة عن تراكمات طويلة، وكرسها الوضع الاجتماعي والسياسي العام الذي تمر به البلاد بعد الثورة، مشيرا إلى أن التطلعات كبيرة لكن الإمكانات الشحيحة لا تسمح بتنفيذ البرامج والإصلاحات المرجوة والمناسبة في الوقت الحالي.
 
الجزيرة نت التفت الوزير عبد الله عوبل منذوق وحاورته بشأن هموم ومشاغل الساحة الثقافية في اليمن وخطط الوزارة وطموحاتها المستقبلية:
 
يلحظ المتأمل في المشهد الثقافي اليمني لفترة ما بعد الثورة السلمية جمودا طاغيا.. فما الذي يقف وراء هذا الجمود؟
 
قدمنا جهودا كبيرة خلال العام الماضي، خاصة في مجال المسرح، ولدينا تطلعات كبيرة في مجالات الثقافة الأخرى تصطدم بإمكاناتنا الشحيحة 
– هو ليس جمودا، وإنما مظاهر أزمة، فالواقع الثقافي هو جزء من الواقع الاجتماعي العام الذي مر بأزمة خانقة وخطيرة وكادت أن تصل إلى حرب أهليه، كما أن جذور الأزمة الثقافية تمتد إلى فترة ما قبل الثورة السلمية بتراكمات طويلة الأمد، ولاشك أن تخطي هذه الأزمة وإحداث انتعاش ثقافي يحتاج إلى وقت طويل.
 
ولكني أؤكد أنه حتى مع وجود هذه الأزمة فإن المبدع اليمني وخصوصا في المجالين الأدبي والفني لا يزال مستمرا في عطائه إلى اليوم في مجال الفنون التشكيلية وفي المجال السردي والشعري، لكن هذا العطاء لا يظهر على السطح ولا يصل إلى درجة من الفيض حتى يتجلى في عموم المشهد الثقافي.
 
ومن هنا أقول إن المشهد الثقافي ليس خاملا بدرجة تلغي دوره، ولا هو منتعش بحيث يؤدي كامل دوره، وإنما هو في حركة مسايرة لما يعتمل الآن في الشارع ومواكبة للقيم التي ينشدها مجتمع اليوم من حرية وكرامة وعدالة.
 
من المتابعين من يحصر دور وزارة الثقافة في مجالين: إحياء المناسبات الموسمية، والمشاركات الخارجية.. فما ردكم على ذلك؟
 
– نحن أتينا ببرنامج طموح، لنجعل من الثقافة فعلا متصفا بالديمومة والاستمرار على مدار العام على المستويين الداخلي والخارجي، وضمن هذا الطموح قدمنا جهودا كبيرة خلال العام الماضي، وخاصة في مجال المسرح باعتباره أكثر التصاقا بالجمهور، ولدينا تطلعات كبيرة في مجالات الثقافة الأخرى تصطدم بإمكاناتنا الشحيحة، فالموازنة التي ترصد لوزارة الثقافة ستون مليونا (حوالي 280 ألف دولار) لا تكفي لأربعة أشهر، ولا يتأتى لنا بحسبها إيلاء مجالات الثقافة ما تستحق من اهتمام، وبالتالي فإن هذا الوضع المادي الصعب حجّم من تطلعاتنا وأعاق الانطلاقة التي كنا ننشدها.
 
يعول اليمنيون اليوم في الخروج من الأزمة التي أشرت إليها على مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ يوم 18 مارس/آذار الماضي ولا يزال منعقدا حتى اليوم.. أين موقع قضايا الثقافة من هذا المؤتمر؟
 
استطعنا في هذا الجانب استعادة كثير من الآثار، ومنها الآثار التي هُرِّبتْ إلى بيروت كاملة 
– نحن عقدنا في أبريل/نيسان الماضي مؤتمرا للسياسات الثقافية، شارك فيه جمع كبير من المفكرين والمثقفين وأساتذة الجامعات، نوقشت فيه كثير من أوراق العمل، وخرجنا برؤية محددة، تتضمن السياسات الثقافية التي ينبغي أن يتضمنها دستور الجمهورية اليمنية في الفترة المقبلة، وقد وضعنا هذه الرؤية بين يدي مؤتمر الحوار، فوجدت صدى واسعا في نقاشات المؤتمر، وهي لاشك محل اعتبار.
 
يُلاحظ أن الجهات المعنية -ومنها وزارة الثقافة- مهتمة بمدينة صنعاء القديمة التي تلقت تحذيرا أوليا من اليونسكو بإسقاطها من قائمة التراث العالمي، أكثر من اهتمامها بمدينة زبيد التي تلقت إنذارا نهائيا في هذا الصدد.. فما تفسير ذلك؟
 
– نحن مهتمون بالمدينتين معا، وفي نهاية سبتمبر/أيلول الحالي سيصل فريق فني من مركز التراث العالمي الإقليمي في البحرين، وهذا الفريق مهمته تحديد احتياجات مدينة زبيد، وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام سيبدأ العمل في ترميم المدينة وإصلاح الاختلالات التي فيها من قبل مركز البحرين وبتمويل بحريني.
 
عقدنا في أبريل/نيسان الماضي مؤتمرا للسياسات الثقافية، شارك فيه جمع كبير من المفكرين والمثقفين وأساتذة الجامعات، وخرجنا برؤية محددة تتضمن السياسات الثقافية التي ينبغي أن يتضمنها دستور الجمهورية 
وقد وقعنا اتفاقية بهذا الخصوص مع وزيرة الثقافة البحرينية رئيسة مركز التراث العالمي، ومع رئيس مركز البحرين للتراث الدكتور منير بوشناق، وبناءً على ما يُستجد في هذا الشأن سنطالب مؤتمر لجنة التراث العالمي الثامن والثلاثين الذي سينعقد في يونيو/حزيران القادم في الدوحة بنقل زبيد من قائمة الخطر إلى القائمة العادية.
 
أما فيما يخص صنعاء القديمة فهناك حملة دولية بشأنها، وهناك أيضا حملة وطنية، وثمة تنسيق في هذا الصدد بين أمانة العاصمة والهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية لمعالجة الاختلالات، فنحن إذن نولي كلا المدينتين اهتماما كبيرا.
 
أصبح تهريب الآثار اليمنية إلى الخارج ظاهرة واضحة للعيان.. ماذا قدمتم في وزارة الثقافة للحد من هذه الظاهرة؟
 
– استطعنا في هذا الجانب استعادة كثير من الآثار، ومنها الآثار التي هُربتْ إلى بيروت كاملة، والمشكلة تتجلى هنا في أنه لا يوجد قانون لحماية هذه الآثار، فالقانون الجنائي يعاقب من ضُبِط في عملية تهريب بمبلغ عشرة آلاف ريال فقط (47 دولارا)، وهي عقوبة مشجعة على التهريب، وقد أعددنا قانونا خاصا بالآثار والمخطوطات وقدمناه إلى مجلس النواب لإيجاد معالجات حاسمة أمام هذه الظاهرة المقلقة.
 
المصدر:الجزيرة